أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
أعلن التلفزيون الإيراني صباح السبت، 14 حزيران/يونيو 2025، مقتل العميد غلام رضا محرابي، مسؤول شؤون الاستخبارات في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والعميد مهدي رباني، مسؤول العمليات في الهيئة ذاتها، وذلك إثر الضربة الجوية الواسعة التي شنّتها إسرائيل على مواقع حساسة في العاصمة طهران.
وأكدت القنوات الرسمية أن الهجوم استهدف منشآت تابعة لهيئة الأركان، وأسفر عن مقتل عدد من كبار القادة، ووصفت طهران العملية بأنها “عدوان مباشر على السيادة الإيرانية”، متوعدة بالرد، يُشكل مقتل هؤلاء ضربة موجعة لطهران، وتحقيقاً للعدالة الإلاهية التي ينتظرها الشعب السوري، بحق كل من تورط في دمائه طيلة سنوات مضت من حقبة التغلغل الإيراني في سوريا.
محرابي.. مهندس الاستخبارات العابر للحدود
العميد غلام رضا محرابي كان أحد أهم الشخصيات في الهيكل الأمني الإيراني، شغل منصب نائب رئيس جهاز استخبارات الأركان العامة، وارتبط اسمه بملفات شديدة الحساسية داخلياً وخارجياً، لا سيما في ما يتعلق بمكافحة الاختراقات الأمنية، وتعزيز التنسيق بين الحرس الثوري والجيش النظامي.
فيما يتعلق بسوريا، لعب محرابي دوراً مركزياً في ترسيخ الحضور الأمني الإيراني على الأرض السورية. كان من أبرز المسؤولين عن بناء غرفة التنسيق المشتركة التي جمعت الحرس الثوري مع ميليشيات “حزب الله”، و”فاطميون”، و”زينبيون”، إضافة إلى إشرافه على ربط هذه القوى بأجهزة استخبارات نظام الأسد، ما أسس لتحالف أمني متين استمر لسنوات.
من موقعه، قاد محرابي عمليات معقدة لجمع المعلومات وتوجيه عمليات الاستهداف ضد فصائل المعارضة، كما كان مسؤولاً عن الإشراف على الاتصالات المشفرة بين القيادة الإيرانية والمواقع المنتشرة في سوريا، وكانت وضعت عدد من القواعد الاستخباراتية الإيرانية داخل البلاد تحت إشرافه المباشر، لا سيما في دمشق ودير الزور.
تؤكد تقارير متقاطعة أن محرابي ساهم في دمج أجهزة أمنية سورية ضمن منظومة القرار الإيراني، ما حوّل كثيراً من المفاصل الأمنية التابعة لنظام الأسد إلى أدوات تنفيذ ضمن شبكة النفوذ الإيراني، خصوصاً بعد اغتيال قاسم سليماني، حيث تولى جزءاً من صلاحياته في الملف السوري.
رباني.. اليد العملياتية لطهران في الجبهات السورية
أما العميد مهدي رباني، فقد شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة للعمليات، وكان يُعد أحد أكثر القادة الإيرانيين تأثيراً في تحديد المسارات الميدانية للوجود العسكري الإيراني في الإقليم، وخاصة في سوريا.
برز رباني كأحد مهندسي البنية العملياتية التي فرضتها إيران خلال سنوات الحرب السورية. أشرف بشكل مباشر على التنسيق بين قيادة الأركان في طهران وغرف العمليات في دمشق، ونسّق مع “فيلق القدس” انتشار الميليشيات الحليفة لإيران على مختلف الجبهات السورية، خصوصاً في ريف دمشق، حلب، ودير الزور.
كانت له اليد العليا في متابعة تحركات “فاطميون” و”زينبيون” و”حزب الله”، وربطها بالقيادة المركزية، كما لعب دوراً حاسماً في وضع خطط الدفاع عن مراكز الثقل الاستراتيجية، وفي مقدمتها العاصمة دمشق، مطار التيفور، والبوكمال.
عُرف رباني بدوره كمحور تنسيقي بين الحرس الثوري ووزارة الدفاع السورية في عهد نظام الأسد، وساهم في إعادة هيكلة بعض وحدات الجيش السوري المتآكلة، كما أدخل تقنيات إيرانية في مجال المراقبة والحرب الإلكترونية إلى سوريا، وعمل على تأمين خطوط الدعم القادمة من العراق ولبنان.
يشكل مقتل محرابي ورباني ضربة مزدوجة شديدة التأثير على البنية الأمنية والعسكرية التي بنتها إيران في سوريا خلال أكثر من عقد، فالضابطان كانا بمثابة عمودين رئيسيين في معادلة النفوذ الإيراني، أحدهما مسؤول عن تدبير الغرف السرية، والآخر عن توجيه المعارك المفتوحة.