بين المركزية السياسية واللامركزية الإدارية.. سوريا تبحث عن توازن الدولة الواحدة

فراس علاوي:

تمرّ سوريا في حقبة الجمهورية الثالثة، التي اعقبت سقوط المرحلة الأسدية، في منعطف سياسي دقيق جداً يتمثل في كيفية إدارة الدولة سياسياً وإدارياً، من خلال الواقع السياسي الحالي والاقتصادي المعقد، تتجه سوريا نحو صيغة مركبة تُزاوج بين المركزية السياسية واللامركزية الإدارية، نستطيع أن نسميها مركزية المركز وحرية الأطراف، وذلك في محاولة لإعادة بناء الدولة على أساس من التوازن بين وحدة القرار السيادي ومرونة الأداء الخدمي المحلي.
لعلّ هذه الصيغة تبدو للبعض متناقضة في ظاهرها، إلا أنها تمثل في جوهرها محاولة واعية لتجاوز أزمات المركزية المفرطة والتي قد تنتج نوعاً من الظلم للأطراف من جهة، وتفادي فوضى التشرذم والانفصال من جهة أخرى من خلال توحيد المركز مع الأطراف بالقرار السياسي.
المركزية السياسية: القلب الواحد للدولة
تعني المركزية السياسية أن القرار السياسي السيادي لا يُجزأ، ولا يُوزع، بل يُصاغ ويُدار من مركز واحد هو العاصمة ويتخذ من قبل جهة سياسية واحدة هي الحكومة المركزية بشكلها السيادي الذي أفرزته مرحلة ما بعد سقوط النظام.

إذاً فإن المسائل المرتبطة بالسيادة الوطنية كالعلاقات الخارجية، والدفاع الوطني، والسياسات الأمنية والدستورية لا تحتمل التعدد ولا التفاوت ولا التناوب وإنما تحتاج إلى بعد مركزي عميق يهتم بالمركز والأطراف على حد سواء دون إعطاء أفضلية لأحدها على الآخر وهذا ماتمثله الحكومة، لأنها تعني بقاء الدولة والحفاظ عليها من عدمها.

فكما لا يمكن أن يكون للدولة أكثر من علم أو جيش، لا يصحّ أن تتعدد فيها السياسات الخارجية أو تتفاوت الولاءات، هنا تصبح المركزية السياسية الضامن الوحيد لوحدة كيان الدولة والحفاظ عليها، واستمراريتها، وتماسك مؤسساتها في وجه المتغيرات والدولية العاتية.

اللامركزية الإدارية: العقلانية في إدارة التنوع
وفي مقابل وحدة القرار السياسي المتمثل بالمركزية السياسة، تبرز الحاجة إلى اللامركزية الإدارية كأداة لإدارة التعدد المحلي والتنوع الجغرافي والديمغرافي والثقافي في البلاد.

إذ تتيح للمحافظات والأقاليم صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها اليومية: من تعليم وصحة وصولاً إلى البلديات والبنية التحتية. هذا التوزيع الذكي والمدروس للصلاحيات لا يمسّ بوحدة الدولة ولا يؤثرعلى سيادتها بل يعززها عبر تحسين واقع وكفاءة الخدمات من جهة، ويعمل على تسريع الاستجابة لاحتياجات المواطنين، وتوزيع الموارد بعدالة وفقاً للخصوصيات المحلية المرتبطة بطبيعة الأطراف واحتياجاتها وقدراتها الذاتية.

اللا مركزية هنا ليست ترفاُ إدارياً، بل ضرورة تنموية، وهي تعبير عن إدراك عميق أن “الحكم بمركزية إدارية شديدة” لم يعد صالحاً لكل زمان ومكان.

فالقرارات المحلية يجب أن تُصاغ محلياً، بما يعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لكل منطقة، ولكن ضمن إطار الدولة الجامعة.

نحو نظام تشاركي: المحافظات كأطراف في القرار الوطني
وبما العاصمة تحتفظ بمفتاح القرار السياسي والقرارات السيادية، فإن المحافظات ليست مجرد إدارات تنفيذية، بل أطرافاً فاعلة في إنتاج القرار الوطني.

إذاً لكل محافظة دور ومقاعد ضمن البنية المركزية، تُمكّنها من التأثير والمشاركة، لا التلقي فقط، هذه المشاركة، وإن كانت غير سيادية، إلا أنها تضمن تمثيل مصالح الأطراف المختلفة في صياغة القرار الوطني، وتمنع الشعور بالتهميش أو المركزية القامعة.

تظهر اللامركزية الإدارية في إعطاء مساحة واسعة للمحافظين والوحدات الإدارية والخدمية في تقديم الخدمات للأهالي وفق احتياجاتهم.
دولة واحدة بعقول كثيرة
إن ما يُطرح حول المركزية السياسية لا يعني بشكل من الأشكال إنتاج الاستبداد، وكذلك الحديث عن اللامركزية الإدارية لايعني تفكيكاً للدولة، بل إعادة هندستها إدارياً؛ فهي ليست توزيعاً للسيادة، بل تنظيماً للعقل الإداري؛ وليست تقسيماً للولاء، بل توسيعاً له.

فالمركزية السياسية تحفظ السيادة، واللامركزية الإدارية تحقق التنمية، وبينهما، يمكن لسوريا أن تخرج من ركام الحرب، نحو دولة واحدة بعقول كثيرة، قوية بوحدتها، غنية بتنوعها.

آخر الأخبار
دلالات سياسية بمضامين اقتصادية.. سوريا تعزز تموضعها الدولي من بوابة " صندوق النقد الدولي والبنك الدو... سجال داخلي وضغوط دولية.. سلاح "حزب الله" يضع لبنان على فوهة بركان لجنة لتسليم المطلوبين والموقوفين في مدينة الدريكيش مصادرة حشيش وكبتاغون في صيدا بريف درعا The NewArab: الأمم المتحدة: العقوبات على سوريا تحد يجب مواجهته إخماد حريق حراجي في مصياف بمشاركة 81 متسابقاً.. انطلاق تصفيات الأولمبياد العلمي في اللاذقية "لمسة شفا".. مشروع لدعم الخدمات الصحية في منطقة طفس الصحية وزير المالية: نتطلع لعودة سوريا إلى النظام المالي الدولي وقف استيراد البندورة والخيار رفع أسعارها بأسواق درعا للضعفين 34 مركزاً بحملة تعزيز اللقاح الروتيني بدير الزور البنى التحتية والخدمية متهالكة.. الأولوية في طفس لمياه الشرب والصرف الصحي    تستهدف 8344 طفلاً ٠٠ استعدادات لانطلاق حملة اللقاح الوطنية بالسقيلبية  بعد سنوات من الانقطاع.. مياه الشرب  تعود إلى كفرزيتا  جولة ثانية من المفاوضات الأمريكية- الإيرانية في روما أردوغان: إسرائيل لا تريد السلام والاستقرار في المنطقة جنبلاط: هناك احتضان عربي للقيادة السورية واقع مائي صعب خلال الصيف المقبل.. والتوعية مفتاح الحل برسم وزارة التربية النهوض بالقطاع الزراعي بالتعاون مع "أكساد".. الخبيرة الشماط لـ"الثورة": استنباط أصناف هامة من القمح ...