مساحات واسعة للشباب بين مد الصور وجزر الكلمات د. كشيك لـ”الثورة”: الفضاء الأزرق مرآة للهوية وتطوير المهارات

الثورة – حسين صقر:

ساحة متغيرة باستمرار، يحمل فرصاً لتطوير الذات والتواصل، لكنه يحمل أيضاً تحديات نفسية وعاطفية تحتاج إلى وعي وحكمة في التعامل، هو الفضاء الأزرق الذي يتنقل الشباب فيه محلقين بين مد وجزر، كما البحر يتأرجحون بين لحظات القوة والضعف، بين ثقة النفس وشكوكها، وبين الرغبة في الظهور والقلق من الاختفاء.

البحث عن طرق صحية

ولأنه من الضروري أن يتعلم الشباب كيفية استخدام هذا الفضاء وتلك المنصات، استطلعت صحيفة الثورة بعض الآراء من مختلف شرائح الشباب.

محمد عبد الباقي- موظف مالي، بين أنه من الضروري البحث عن طرق صحية لاستخدام منصات الفضاء الأزرق لا تجعلهم عبيداً للتقييم الخارجي، بل أداة لبناء ذاتهم الحقيقية، في وقت نرى توجه بعضهم نحو القشور وترك الجوهر، وتحييد النظر عن الواقعة الحقيقية.

وأضاف: في عالمٍ يطفو على أمواج الضوء، وبين مدّ من الصور وجزرٍ من الكلمات، وجد الشباب أنفسهم في قلب الفضاء الأزرق، يحصلون على مساحة لا تحدّها جغرافيا، ولا تقيّدها حدود.

هنا، في هذا الامتداد الرقمي، لا يكتفون بالمراقبة، بل يصنعون ذواتهم من جديد: ينشرون، يشاركون ويعلّقون ويتفاعلون وكأنهم يعيدون تشكيل صورتهم أمام مرآة العالم.

من جهتها نجوى محمود طالبة جامعية ترى أن كثيراً من الشباب يرون في الفضاء الأزرق نافذة أمل وتعبير،.

حيث المنصات الاجتماعية أصبحت منبراً يرفع أصواتهم ويتيح لهم الفرصة لإظهار مواهبهم وتعويم أفكارهم، وإبداعاتهم التي ربما ما وجدت يوماً طريقها إلى النور في واقعٍ مقيّد، وذلك من خلال التفاعل والمتابعة والإعجاب التي تشكل عناصر تغذي الثقة، وتزرع شعوراً بأنهم مرئيّون و مسموعون، ومؤثّرون.

تساؤلات وجودية

حنين ماضي- مهندسة معلوماتية عقبت بالقول: إن المد لا يدوم، فسرعان ما يعقبه جزر يحمل تساؤلات وجودية: “هل أنا فعلاً من “أبدو عليه؟ هل قيمتي تُقاس بعدد الإعجابات؟، هل أنا كافٍ كما أنا؟”.

وهنا، تبدأ الصورة بالاهتزاز، يصبح البعض عبيداً لآراء الآخرين، يسعون جاهدين لصناعة نسخة “مثالية” من أنفسهم، وإن كانت بعيدة عن الواقع، كأن يقارنوا أنفسهم بالآخرين، وذلك عبر السعي المحموم وراء القبول، والوقوع في فخ القوالب الجاهزة، مشيرة أن كل ذلك يؤثر على نظرة الشاب لذاته، فيضعف ثقته، ويفقده اتزانه الداخلي..إن الفضاء الأزرق، إذاً، سلاحٌ ذو حدين، يرفع الإنسان حيناً، ويخفضه حيناً آخر ليغرق في الشكوك، بين أن تبقى رحلته في هذا العالم الرقمي انعكاساً لصراعه الأبدي بين البحث عن الذات، وبين الخوف من فقدانها.

الوعي طوق النجاة

سامي سلامة- طالب طب بشري، أكد أن الوعي هو طوق النجاة، فحين يدرك الشاب أن العالم الافتراضي مجرد امتداد، لا بديل لعالمه الحقيقي، وأن صورته الحقيقية لا تُبنى بمقاييس إلكترونية، بل بصدق المشاعر، وعمق التفكير، واتزان الذات حينها فقط، يمكنه أن يبحر في هذا الفضاء بثقة، من دون أن يغرق.

وأوضح أن العالم شهد في العقود الأخيرة ثورة رقمية غير مسبوقة، كان أبرز تجلياتها ظهور “الفضاء الأزرق”، مصطلح يُستخدم مجازاً للدلالة على منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها فيسبوك، وما تبعها من فضاءات رقمية تفاعلية. وقد بات هذا الفضاء يشكل جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب اليومية، حتى أصبح أداة فاعلة في تشكيل وعيهم، وصياغة تصوراتهم عن أنفسهم والعالم من حولهم.

مرآة للذات

أمل فواز- محامية ذكرت كيف أن الشباب يلجأ إلى الفضاء الأزرق بوصفه أداة للتعبير عن الذات وتشكيل الهوية، ويتيح فرصاً متعددة لنشر الآراء، ومشاركة التجارب، وتسويق المهارات والقدرات الشخصية، وفي هذا السياق، يرى العديد من الباحثين أن منصات التواصل أصبحت تمثل مساحة تعبيرية بديلة تتيح للفرد تجاوز القيود الاجتماعية التقليدية.

ونوهت بأنه يتمثل الجانب الإيجابي في أن الشباب، من خلال هذا الفضاء، يكتسبون شعوراً بالفاعلية والانتماء، ويتاح لهم بناء صورة إيجابية عن ذواتهم.

شباب يصنعون ذواتهم

وفي هذا السياق قالت الدكتورة منى كشيك- الأستاذ في قسم أصول التربية كلية التربية جامعة دمشق: إن الفضاء الأزرق كرمز لمواقع التواصل الاجتماعي خاصة “فيسبوك” ومنصات مشابهة هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي كعالم رقمي واسع يمكن أن يكون مفتوحاً للجميع وذا تأثيرات متعددة خاصة على الشباب، وهو البيئة الافتراضية التي تشمل الإنترنت ومواقع التواصل مثل الفيس بوك- انستغرام- تيك توك- تويتر-سناب شات، بالإضافة إلى المنتديات والألعاب الالكترونية وغيرها من الوسائط الرقمية، و يطلق عليه “أزرق” نسبة للون السائد في العديد من شعارات هذه المنصات.

وعن إيجابياته أوضحت كشيك أنه يشكل باباً للوصول إلى المعرفة والمعلومات، أي يجعل من السهل على الشباب البحث والتعلم في مختلف المجالات، وتوسيع العلاقات الاجتماعية كتكوين صداقات جديدة أو التواصل مع الأهل والأصدقاء، بالإضافة لتنمية المهارات الرقمية، من خلال استخدام الأدوات والمنصات وتسهيل الوصول إلى سوق العمل، كذلك التعبير عن الذات ونشر الأفكار والآراء.

إدمان رقمي

وعن السلبيات قالت الدكتورة كشيك: قد يقضي الشباب ساعات طويلة على الانترنت عبر الإدمان الرقمي، ما يؤثر على النوم والدراسة والحياة الاجتماعية الواقعية، وكذلك العزلة الاجتماعية، كالاعتماد الزائد على العالم الافتراضي الذي يقلل بدوره من التفاعل الحقيقي مع الأسرة و المجتمع، فضلاً عن التأثير السلبي مثل العنف والإباحية أو الإشاعات والمعلومات المغلوطة، والتنمر الالكتروني، وذلك من خلال الرسائل المسيئة أو الهجوم على المستخدمين الذي يؤدي إلى مشكلات نفسية.

وتحدثت أستاذة أصول التربية عن ضعف الخصوصية، لأن الشباب قد يشاركون معلومات شخصية دون وعي بالمخاطر.

مفارقة واقعية

وتحدثت د. كشيك عن سؤال عميق ويطرح مفارقة واقعية في زمننا الرقمي يمكن أن نحلله من جانبين: حيث يعتبر الفضاء الأزرق منصة لصناعة الهوية: فالشباب يستخدمون ذلك الفضاء لبناء هويتهم الرقمية من خلال نشر الصور والفيديوهات التي تعكس شخصياتهم واهتماماتهم، وكتابة الأفكار والآراء التي تساهم في إبراز ميولهم الفكرية أو الثقافية، والتفاعل مع الآخرين ما يمنحهم إحساساً بالانتماء أو التفرد، مثال: شاب ينشئ حساباً على انستغرام لنشر لوحة فنية فيبدأ يعرف “كفنان رقمي” وهذا يعزز صورته الذاتية أمام نفسه والآخرين، كما أن البحث عن الذات من خلال التفاعل والتجريب، فالكثير من الشباب لا يعرفون بالضبط من هم أو ماذا يريدون فيلجؤون إلى هذا الفضاء ليجربوا أنماطاً متعددة من التعبير عن الذات (موسيقا-تصميم- كتابة) مجموعات أو مجتمعات رقمية تشاركهم نفس الاهتمامات، وردود الفعل من الجمهور والتي تساعدهم على فهم كيف ينظر اليهم، مثال: شابة تنضم لمجموعة أدبية على فيسبوك وتبدأ بنشر قصص قصيرة، فتكتشف شغفها بالكتابة من خلال تشجيع الآخرين.

وقالت: فالفضاء الأزرق كمرآة وتحدٍّ للشباب، حيث يرون في الفضاء الأزرق صوراً متعددة للنجاح والجمال والحرية فيقارنون أنفسهم بها، وأحياناً تكون هذه الصور دافعاً للنمو والتطور، وأحياناً مصدراً للضياع أو القلق بسبب المقارنات المستمرة.

وأضافت: فالشباب الذين يصنعون أنفسهم عبر الفضاء المذكور هؤلاء استفادوا من أدوات العصر الرقمي ليبنوا لأنفسهم هوية وصوتاً (أمثلة اليوتيوبر)، وربما مشروعاً شخصياً أو مهنياً لديهم غالباً رؤية أو شغف واضح يعرفون ماذا يريدون(فكرة- رسالة- مهارة..) وشجاعة الظهور والمخاطرة لا يخشون التعبير أو التجربة، وأيضاً الاستمرارية والتعلم الذاتي، يطورون مهاراتهم ويستفيدون من تغذية راجعة الجمهور.

مرآة للهوية

وقالت كشيك: إن الفضاء الأزرق يكون كمرآة للهوية، حيث يستخدم الشباب مواقع التواصل للتعبير عن أنفسهم، وظهور أنماط جديدة للتواصل وتقديم الذات (الصور- المنشورات-القصص)، “بناء هوية رقمية” قد تختلف عن الهوية الواقعية، هذه الفئة الشباب توظف الفضاء الأزرق كوسيلة للإبداع، والمبادرات، والريادة، والتأثير الإيجابي، أمثلة عن استثمار هذه الوسائل لتطوير الذات، والنجاح الشخصي أو المهني.

وأضافت أن الشباب الذين لا يزالون يبحثون عن ذواتهم، وهذا أمر طبيعي لأن الضغوط الاجتماعية والنفسية قد تعيق الإنسان عن اكتشاف ذاته، والخوف من الفشل أو المقارنة يجعلهم يتراجعون، لغياب الدعم أو التوجيه يجعل الطريق أكثر غموضاً.

هذه الفئة تعيش صراعاً مع الذات وتحاول إيجاد هويتها من خلال “الإعجابات” والقبول الافتراضي، ومخاطر التبعية للصور النمطية، والانسياق خلف القبول الاجتماعي الرقمي.

وبالتالي فإن الشباب الذين يصنعون أنفسهم من خلال الفضاء الأزرق يعملون على اختيار ما يظهرونه من ذواتهم، وتجريب أدوات وهويات متعددة تلقي التعليقات والتفاعل مع الآخرين، ومنهم من يبحث عن ذاته الضائعة أو غير المكتشفة عبر هذه المنصات ليجد من يكون أو من يريد أن يكون.

طرق الحماية

كشيك أكدت على ضرورة حماية الشباب من سلبيات هذا الفضاء من خلال: التوعية المستمرة من الأهل والمدرسة، ووضع حدود زمنية لاستخدام الانترنت، وتشجيع الأنشطة الواقعية مثل الرياضة والهوايات، وتعليم التفكير النقدي وتمييز المعلومات الموثق من الكاذبة، واستخدام أدوات الرقابة الأبوية.

آخر الأخبار
تنظيم عمل تجار سوق الهال في اللاذقية "الكريات البيضاء" باللاذقية تطلق مبادرة لتنظيف كلية الحقوق  حدة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين تتصاعد.. والعالم يتابع بقلق  "علم الجمال بين الفلسفة والأدب" في جامعة اللاذقية "الشيباني" يستعرض نتائج الزيارة إلى قطر: اتفاقات لتعزيز الاستثمار ودعم القطاعات الحيوية مرسوم رئاسي بتعيين أحمد نمير محمد فائز الصواف معاوناً لوزير الثقافة  بيان سوري قطري: التأكيد على تعزيز التعاون وتطويره احتياجات العمل الإعلامي في لقاء وزير الإعلام بإعلاميي درعا تراجع جودة الرغيف في فرن ضاحية الشام استبدال محولات لتحسين الكهرباء بريف طرطوس صياغة جيل زراعي وتنمية المراعي.. نحو بادية مستدامة قريباً.. السفارة السورية تفتح أبوابها في الكويت خط معفى من التقنين للمستشفى الوطني بحمص استلام محصول القمح في مركز العنابية بطرطوس تكريم عمال مخابز طرطوس تنظيف الحدائق والمقابر في مصياف هل تتوجه درعا لزراعة الصبار الأملس؟ بين الإنقاذ والانهيار.. الدواء السوري في مواجهة المصير معتوق لـ"الثورة": نحتاج الأمان الصناعي إرث " الخوذ البيضاء " باق والاندماج بداية جدية لعمل حكومي واسع  التأمين الزراعي.. مشلول ومستلب! الهيبة لـ"الثورة": التأمين يشمل الزراعة ومستقبل شركاته واعد