الثورة – حوار هلال عون:
بحسرةٍ يقول الدكتور شوقي المعري- أستاذ علوم اللغة بجامعة دمشق وصاحب ما يزيد على مئة كتاب مطبوع:”منذ عقدين من الزمن بدأتْ تتسلل إلى مجمع اللغة العربية أسماء ليست ممن صُنّفوا في “مجمع الخالدين” وبدأتُ أشعر عن قرب أن العلم لا يكفي كي تكون عضو مجمع ولا التأليف.
يكفي أن تكون مسؤولاً حتى تكون “مجمعياً” إن شئت، والمسؤول في الأصل جاء بالواسطة.. فبدأت أنفر من كل ما يتصل بالمجمع الذي حاد عن هدفه، ثم صارت صلات الصداقة هي من يرشِّح ويزكي ويقرر، فكان في المجمع أعضاء نادى أحدهم بإهمال الإعراب؛ تخيل يا رعاك الله.! فلا فائدة منه تذكر.. ودخل المجمع أشخاص لا كتاب لغة عندهم.. ودخل المجمع أناس لم يعرفوا أنهم صاروا أعضاء.. فزاد ألمي وزادت حسرتي على المجمع اللغوي الأول.
نتابع في الحلقة الثانية من حواراتنا في سلسلة “أعلام” ذكرياتِ الدكتور المعري مع مجمع اللغة العربية:
كيف كان المجمع وكيف أصبح.. وما السبب؟!
بالعادلية غازلتُ النارنج
– سألته “الثورة”: متى عرفتَ مجمعَ اللغة العربية؟
= عرفتُ مجمع اللغة العربية من مؤلفاته في أوائل الثمانينيات عندما كنت أحضّر للدراسات العليا، وكان أساتذتي ينصحونني بالمراجع الصادرة عن المجمع لأنها مميزة ودقيقة وشاملة، وتتوافر فيها مقومات البحث الأكاديمي الصحيحة، ثم عرفت بناء المجمع القديم الذي كان في المدرسة العادلية مقابل المكتبة الظاهرية، وكنت ضيفاً على قاعة الدراسات العليا فيها، وفيها غازلت النارنج وياسمين الشام وصوت الهديل ممزوجاً بخرير مياه بحيرتها، وكنت قريباً جداً من أذان الجامع الأموي، فعشت مع نزار قباني أوقاتاً كثيرة.. وبقيت أتردّد حتى انتقال المخطوطات والمصادر إلى المكتبة الوطنية..
مجمع الخالدين
– بماذا يذكّرك المجمع؟
= كنت أقرأ عن شخصيات أدبية وثقافية كبيرة لها اسمها الذي علا وعلّى.. حتى أطلقوا على المجمع اسم “مجمع الخالدين”.. كنت أرى كل اسم من تلك الأسماء نجماً يصعب الوصول إليه، فكان حلم كل أديب داخل الوطن وخارجه أن يكون أحد الخالدين؛ لأنه المجمع الأول ذو الشهرة البعيدة.. ولكنني لم أكن أفكر يوماً بهذا الاسم؛ لأنني لم أكن أفكر بأي منصب، وما زلت أرفض أي منصب ولو كان علمياً.
المجمع كسول
– ومتى زرت المجمع الجديد؟
= في العام ٢٠٠٣ قصدت مجمع اللغة العربية الجديد في منطقة المالكي، في عمل تابع لمكتبة لبنان – (ناشرون)، فحملت معي عدداً من مؤلفاتي هدية لأستاذي د. شاكر الفحام الذي كان يستعير مني بعض الكتب التي كنت أشتريها خلال دراستي لَمّا كان يدرسنا الأدب الأندلسي.. قدمت له الكتب فعاتبني قائلاً: لمَ كلفت نفسك وجيبك، فقلت له: هي بعض مؤلفاتي، نظر إليّ مستغرباً كأنه لم يصدق، فقرأ الاسم وقال لي عبارة لا تزال ترن في مسمعيَّ: لقد عملتَ أكثر مما عملناه في المجمع.. فكبر رأسي أكثر واقتنعت بما كنت أظنه أن المجمع كسول.
– وماذا بعد هذا اللقاء؟.
= مع مرور الزمن زاد اتصالي بالمجمع لطبيعة عملي مستشاراً في مكتبة لبنان- (ناشرون)، وزاد اطلاعي على طبيعة عمل المجمع، حتى إنني دعيت إلى ندوة قدّمت فيها بحث النداء، من حيث التيسير النحوي.. وبحثاً عن الدكتور محمد خير الحلواني وجهوده في تجديد النحو، وكان بحثاً مهماً أقيمت عليه رسالة دكتوراه.
كما حضرتُ عدة فعاليات فيه، لكنني لم أكن مرة أحلم في أن أكون عضواً فيه.. لأنني كما قلت لست من هواة المناصب.
كنت دائماً أقول: يكفيني علمي يرفعني إن كنت أستحق، ويخفضني إن كنت لا..
وزادت حسرتي
– ما رأيك فيمن صاروا أعضاء منذ فترة؟
= منذ عقدين من الزمن بدأت تتسلل إلى المجمع أسماء ليست ممن صنفوا في “مجمع الخالدين” وبدأتُ أشعر عن قرب أن العلم لا يكفي أن تكون عضو مجمع ولا التأليف.
يكفي أن تكون مسؤولاً حتى تكون مجمعياً، إن شئت، والمسؤول في الأصل جاء بالواسطة.. فبدأت أنفر من كل ما يتصل بالمجمع الذي حاد عن هدفه، ثم صارت صلات الصداقة هي من يرشِّح ويزكي ويقرر، فكان في المجمع أعضاء نادى أحدهم بإهمال الإعراب؛ تخيل يا رعاك الله.! فلا فائدة منه تذكر.. ودخل المجمع أشخاص لا كتاب لغة عنده.. ودخل المجمع أناس لم يعرفوا أنهم صاروا أعضاء.. فزاد ألمي وزادت حسرتي على المجمع اللغوي الأول.. وكتبت وتحدثت وقلت في وسائل الإعلام بلا خوف عن تقصير المجمع وكسله، حتى إنني وصفت حالته مرة بالسبات فغضب مني أستاذي الدكتور إحسان النص الذي كان نائب رئيس المجمع وعاتبني عن طريق صديق.. ورددت بأني على رأيي، وهذه حال المجمع.
المعيار هو الأهواء الشخصية
– ما رأيك بالطريقة التي تمت أخيراً للانتساب إلى المجمع؟
= مع مرور الأيام ودخول مجموعة من الأعضاء لم أعجب من بعض الأسماء، فالآلية المتبعة تتبع الأهواء الشخصية والعلاقات “المصلحجية”.. وكنت في كل مرة أكتب أتعرض للسؤال من البعض: “يا أخي يصطفلوا”.
فكنت أجيب: هذا المجمع أمامكم هاتوا لي عملاً يفتخر به.. هاتوا لي كتاباً، بل قرارٌ صدر فيه اجتهاد من أول مجمع لغوي.. وكنت أسخر من كتيّب من عدة أوراق في الهمزة.. بل قلت لم يستطع المجمع فرض قرار لغوي أو إملائي على وزارة التربية أو التعليم العالي..أو.. أو.. فأي مجمع ننتظر؟.
بقيت الحال على هذه الحال حتى العام ٢٠٢٣ عندما أصدر المجمع قراراً لأول مرة يطلب ممن يريد الانتساب للمجمع أن يقدم أوراقه.. وقد طلب مني الكثيرون من باب المودة والصداقة الحقيقية أن أقدم أوراقي، لكنني رفضت، وكان جوابي للجميع:هذه الطريقة للانتساب ملتبسة، والهدف منها واضح، وسيكون فلان هو المطلوب للمجمع، كما جرت العادة عندما يريدون شخصاً في منصب يقيمون مسابقة تكون على قياسه.. وكنت أضيف: لن أحقق لأحد هدفه الذي أشتّمّ فيه رائحة الحقد والكراهية، فينتقم بطريقة قذرة فيظن أنه انتصر.. وقد كتبت في هذا الأمر، وكتبت أن أستاذي الدكتور وهب رومية (رحمه الله) اتصل يستمزج رأيي، فرفضت رفضاً قاطعاً؛ ولما سألني: ما سبب الخلاف مع فلان أجبته: أنا مثلك لا أعرف.
نعم إنني غاضب
– بماذا تشعر؟ وكأنك غاضب كثيراً؟!
=أقول: نعم إنني غاضب لا لنفسي، وإنني أتألم جداً وأحزن على أن تكون معاملة أعلى جهة في اللغة تسقط في وحل الخلاف الشخصي، وما زلت أقول: لن يقدم لي المجمع فائدة ولا المنصب، بل من كان عضو مجمع كان عليه أن يقدّم هو للمجمع وللمجتمع واللغة العلم المفيد الذي يجب أن يطور اللغة، لكننا منذ عقود بعيدة لم نلمس شيئاً من هذا القبيل. وأكاد أقول: ولن.