الثورة – قصة هلال عون:
كان أحمد في الثلاثين من عمره حين سافر إلى الأرجنتين للبحث عن فرصة عمل، بعد أن ضاقت به سبل العيش في بلدته في البادية.وبعد أن أصبح أباً لطفلة، أسماها هبة، عمرها عامان، ولصبيٍّ أو بنت، وكانت زوجته ريم حاملاً في شهرها السادس، تحدّث أحمد مع زوجته كثيراً عن موجة الجفاف التي أصابت أرضه الزراعية التي يعيش منها، واستطاع إقناعها بضرورة سفره، وأنه سيعود بعد عامين على أبعد تقدير، ويكون قد جمع مبلغاً من المال يفتح به بئرماء في أرضه، ويتحول إلى الري بالتنقيط، ويشتري جراراً لحراثة الأرض.
وافقت الزوجة ريم، وودعته، على أمل العودة بعد عامين، وبقيا على تواصل مدة شهرين، وكانت تصلها رسالة منه كلّ نصف شهر، يطمئنها فيها على عمله.بعد شهرين من سفره انقطعت أخباره، ولم تعد تصل للزوجة ريم أي رسالة منه.. مرّت عشر سنوات من دون أي خبر عن أحمد، فظنتْ الزوجة ريم أن زوجها أحمد قد مات.
اهتمت ريم بتعليم ابنتها هبة، التي صارت في الصف السادس، وابنها عدي الذي وُلد بعد سفر والده بثلاثة أشهر، وأصبح في الصف الرابع.مرت أيضاً عشر سنوات أخرى فتزوجت هبة، وأصبح عدي طالباً، يدرس الحقوق في الجامعة.
وبعد مضي عشرين عاماً على غياب أحمد، عادت إليه ذاكرته التي فقدها إثرحادث سير، فتذكر زوجته ريم وابنته هبة، ولم يطق البعد عنهما فعاد إلى وطنه.وصل أحمد إلى ربوع ضيعته، ومشاعرالمحبة والحنين تكاد تُشعل قلبه، وما إن رأى عجوزاً من القرية حتى سألها، عن ريم، وما إذا كانت قد تزوجت أم لا.ولم يصدق نفسه من الفرحة حين أخبرته، بأنها لم تتزوج، وأنها تنتظر عودة زوجها.
أسرع أحمد باتجاه منزله، وكان باب داره مفتوحاً، فدخل، وما إن أطل على إحدى الغرف حتى رأى شاباً نائماً في سريره!ظن أحمد بزوجته سوءاً، وكاد يدخل لينتقم منها لولا أنه تذكّر قول الله تعالى: “يَا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظَّنِّ إِنَّ بعض الظَّنِّ إثْمٌ”.وما هي إلا ثوان، وهو يفكّر بما سيفعله، وإذ بريم تخرج من غرفتها فتراه في الدار فتصمت وكأنها تعجزعن النطق، ويكاد يُغمى عليها، ثم تنادي بأعلى صوتها: يا عدي يا عدي.. لقد عاد أبوك، فخرج عدي ينظر في وجه أبيه.
حينها بدأت دموع أحمد تسيل من شدّة فرحته، وتذكّر أنه ترك زوجته حاملاً.دخل الجميع في نوبة بكاء من الفرحة، وبقي أحمد دقائق، وهو يقبّل ابنه، ويتحسّس بكلتا يديه وجهه ورأسه.. ثم اتجه إلى زوجته ريم، وقال لها: لا أطيق العيش بعيداً عنكِ.. أين هبة؟