الشّعراء في بلاد الاستبداد يحلمون بالنجاة من الاعتقال.. لا بالتكريم كلما اشتقتُ إلى يمام دمشق.. اتكأت القصيدة على رموش حبيبتي

 

الثورة – رنا بدري سلوم:

«أهم ما أنجبته الثورة، هي القصائد التي لم يقمع الخوف حروفها السّافرة، ولم يخضّب النفاقُ ضفائرها، كانت كما تشتهيها عيون حبيبتي، وهي التي كانت تصونها برموشها، تغسل بالدّمع أوجاعها، وتنقّي جراحَها من الشّظايا بأهدابها، وتجمع لها الوردَ لتزرعه على أضرحة الشّهداء، وتعلّمها بالكحل فلسفةَ العناد، وتوقدُ أحداقُها الأملَ في قلوب قوافيها».. هكذا صنع الشّاعر عبد الرحمن الإبراهيم ثورته الشعريّة ونزف قوافيه، فكان له أن أوصل إلينا انتصارات أبجديته المندّاة حباً وحريّة، فكان له مع صحيفة «الثورة» الحوار الآتي:
– قلت يوماً: المستقبل الذي ستصنعه الحريّة هو قصيدة سوريا الخالدة، برأيك هل أتى المستقبل؟ ومن سيكتب القصيدة؟
المستقبل مستقبلان، مستقبل يصنعه الواقع، وقد وضعت سوريا خطوتها الأولى على دربه، ومستقبلٌ يربيه الحلم في رحم القصيدة، وتظل حروف الشّاعر تترقّب ولادته، على أحرِّ من المجاز، وهو مبرر القصيدة الوحيد للحياة، وهو الذي يمنحها شرف الأمومة.
والقصيدة أيضاً قصيدتان، قصيدة تُكتب وهي التي يسكبها الشّاعر من روحه على خدود الورق، وقصيدة يعيشها الوطن، يتصفّحها في دماء الشّهداء، وهي تنبت الورد الشامي، وترسم البسمة على شفاه الطفولة، وفي جبين قاسيون وهو يعانق شمس الحريّة، وفي ضفاف بردى وهي ترتعش بحنين الحور إلى حفيف الفرح، في هديل الحمام الأموي وهو يرتل لدمشق آيات المحبّة والسلام.
– برأيك.. هل الشّاعر يلهم ثورة أم الثورة تلهم شاعرا؟
كون الشّاعر في أمة لا تقرأ، لا أتصور أن يكون بمقدوره إلهام أو إشعال ثورة، إلا إذا كان الشّاعر له أهمية نجوميّة في ذاكرة الناس، وذلك ليس بشعره، إنما بلقبه النجوميّ، وأما أمثالي من الشعراء البسطاء، لا شك أن الثورة تلهمهم، وتفتح للقصائد آفاقاً جديدة، ولخيول القوافي المضامير البكر، وتهزُّ جذوعَ الخيال ليسَّاقط المجازُ على الورق حلواً شهيّاً.
– لطالما كانت دمشق عند نزار، وسعيد عقل، وشوقي ودرويش، نبض القصيدة أين هي دمشق في قصائدك اليوم؟
قصيدتي مصابة بإدمان دمشق، فلن تجدي قافية لا يضوع منها الياسمين، ولا يزهر من حروفها النارنج والكبّاد، ولن تجدي بيتا في قصائدي غير مصاب بالحنين إلى أزقة دمشق وبيوتها، فما بالك لو علمت بأن دمشق تسكن في عيون حبيبتي، كلما اشتقتُ إلى يمامها، اتكأت القصيدة على رموش حبيبتي، وكلما أغواني تاريخُها أوغلتُ في أحداق حبيبتي، لأكتشف جهلَ ابن عساكر في تاريخ دمشق، وعيون حبيبتي هي التي منحت دمشقَ أرقَّ وأعذب معانيها، وليس بوسعي أن أكتب حرفاً واحداً، قبلما يفوح الحبق الشامي من أنامل حبيبتي.
– “عند الأمم الراقية يكرّمُ الشاعر على ما أبدع، ولا يكرّم ليبدع،” فكل قصيدة مدّتْ يدها لتأكل بثدييها، قيمتها تكمن في بطن صاحبها ليس إلا..” جملتك الرمزيّة وصفت بدقّة جمر الحزن وربما الغضب ممن استسهلوا الشعر وباعوه تحت مسمياتٍ شتى ليكسبوا المظاهر.. برأيك ما قيمة الشعر اليوم وهل ينتظر الشاعر عبد الرحمن الإبراهيم تكريماً على نبوءة شعره؟
في المراحل المبكرة، يلهث الشاعر خلف الشهرة، ويحلم بأن يتكرّم من أي جهة ترفع من شأنه، وعندما تبلغ القصيدة عقدها الرابع ويكتمل رشدها، ينصبُّ تفكيرها على الجمال والاعتناء بنفسها، لتقدِّم مفاتنها إلى متحف الخلود، ولم تعد تهتمّ ببهرجة الآني، وبصخب الحفاوات الكاذبة، والشعراء في بلاد الاستبداد يحلمون بالنجاة من الاعتقال، وليس بالتكريم!
للأسف لقد تم تكريمي من قبل الغرباء، وليس من الوطن الذي أنتمي إليه، وكان ذلك في عام ٢٠١٧ من قبل الجمعية الفلسفية في بروكسل، ودعي للحفل ولدي المقيم في فرنسا، لينوب عني في حضور حفل التكريم.
أما القصائد التي تأكل – من غير جوع – بأثدائها، هي قصائد لا تستحق الاحترام، ولا يسمح لها بالجلوس على مقاعد الشعر، وسيلعنها التاريخ.
التكريم الحقيقي نلته من عيون حبيبتي، ولن ألتفت بعده لأي تكريم كان، ماذا كنتُ سأستفيد من الشعر، فيما لو كرّمه جميع أهل الأرض، ولم تكرّمه عيون حبيبتي ؟!
– ربما نعيش الكذب العاطفي؟ نحن معشر الشعراء إن تفوّق شعور الحب على قضايا وجودنا الوطنيّ؟ ما رأيك بذلك؟
إذا غاب الحب، غاب كل شيء معه، فلا وجود من دونه لأي قضيّة كانت، والحبّ هو الذي يحمل في حناياه الوطن وهمومه وأوجاعه وأفراحه، ولولا الحب ما كتب شاعر قصيدة، وكل شعر لغير الحب، هو محض صنعة يقوم بها العقل، وبالتالي لن يكون من الذي يمكث في الأرض فينفع الوطن، والذي يصنعه القلب هو الذي يستقر في القلوب، فتعشق من خلاله الوطن وقضاياه.

– قد لا يوافقونك الرأي الكثير من الشعراء بأنهم أنجح الأزواج على الإطلاق! مشترطاً بقولك” إذا عرفت الزوجة كيف تعتني بزهور مسكبة الرجل المعطاءة، وما علينا إلا أن نتصوّر الفرق.. بين من تسقيها وتعتني بها.. وبين من ترشّها بالمبيدات!!” فأين المرأة اليوم من هذه المسكبة؟ وهل ما زلت عاشقاً لها؟
الشاعر يكتب للمرأة التي يقدّسها، وهذه يستحيل أن ترش المسكبة بالمبيدات، إنما ترشها بدموع الحب والغيرة واللهفة والحنان، وانتهاء العشق لها يعني انتهاء الحياة، لأنها هي الحياة، وهي التي تبدع الحياة، ولو تخيّلنا الدنيا بدونها، لوجدناها صحراء سوداء لا تطاق، والذين يتكلّفون الترفّع عن شؤون المرأة وحبّها، هم يكذبون على أنفسهم وينطوون على أمراض نفسيّة يحتاجون إلى مصحّات إنسانيّة، الشعر للحياة والمرأة هي الحياة، وهذه وجهة نظري التي لم ولن أحيد عنها.
– اتحاد الكتاب العرب ماذا يعني لك؟ وهل تسامح من فصلوك، وقتلوك وكسروا أقلام أحلامك؟
اتحاد الكتاب في دول الاستبداد كأي منظمة شعبيّة، تتعيّش على الفساد وتشارك فيه، ومعظم الذين انتسبوا إليه، كان همهم الاستفادة من المنح البسيطة على الصعيد الصحي والراتب التقاعدي وتعويض الوفاة الخ، فهو أشبه ما يكون (بالنافعة) أو شبه جمعية نصف خيرية، ما قيمة اتحاد لا يستطيع حماية مبدع من مخبر تافه؟! وعندما يكون مَلَكيّاً أكثر من الملك، في رفضه لنشر أي مادة تجرح مشاعر المستبد الطاغية؟!!
أما بالنسبة للفصل، لا أعلم إن كنت قد فصلت أم لا، وهو بالنسبة لي لا يندرج على قائمة أحلامي على الإطلاق، ولن يتمكن من كسر أقلامي، وليس بوسعه أن ينال من أحلامي تلك التي تحفظها لي عيون حبيبتي.
– الوطن الحريّة هما قضيتكَ هل أنت اليوم راضٍ تعيش بأمانٍ وسلام، أم لا يزال الخوف يسكنك؟
بعد سقوط عصابة الاستبداد المجرم، لم يعد هناك على سطح هذا الكوكب ما يخيفني، ولو افترضت بأن كل شرور العالم ستحيط بي في قادم الأيام، فهي لن تعادل فرع مخابرات واحد من فروع النظام البائد، ولهذا أنام قرير العين، كنوم القصائد في عيون حبيبتي.
– ما هي القصيدة التي تؤلمك قوافيها حدّ الوجع ولا يغيب صوت الموت عنها؟
هي التي أسميتها: الحب المدان
والتي قلت فيها:
أخـالُ الـطـائـراتِ غـدت حـمـامــاً  وخـلــتُ فـراخَـهـا حـوراً حـسـانا
فـبـتُ مـع الـقـذيـفـة فـي فـراشي  أعـيـثُ بـنـهـدهــا حـبّـــاً مـدانـــا
ولـمّــا أضــرمَ الشــبــقُ الشّـظايا  تـفـجّـرَ فـاتـحـدّتُ بـه دٌخــانــــــا
– هل أبصرت دواوين الثورة الشعريّة عند الشّاعر عبد الرحمن الإبراهيم النّور؟
هناك مجموعتان شعريتان أبصرتا النور، الأولى بعنوان “أظافر الأنبياء”، وهي طبعة متواضعة من دون دار نشر، بسبب الظروف القاسية التي كنا نعيشها، والثانية بعنوان “نبية الياسمين”، صادرة عن دار نقش في إدلب، ولدي أربع مجموعات تنتظر الطباعة، أما أعمالي المطبوعة فهي: يا دار جدي، مدّي الهديلَ إلى الحمام،  بغدادهار، مناسك الكحل، حارات عينيها العتيقة، أظافر الأنبياء، نبية الياسمين.

آخر الأخبار
إصلاح محطة ضخ الصرف الصحي بمدينة الحارة صحة اللّاذقية تتفقد مخبر الصحة العامة ترامب يحذر إيران من تبعات امتلاك سلاح نووي ويطالبها بعدم المماطلة لكسب الوقت  الأونروا: إسرائيل استهدفت 400 مدرسة في غزة منذ2023 صحة طرطوس تستعد لحملة تعزيز اللقاح الروتيني عند الأطفال الأونكتاد" تدعو لاستثناء اقتصادات الدول الضعيفة والصغيرة من التعرفات الأميركية الجديدة إصلاح المنظومة القانونية.. خطوة نحو الانفتاح الدولي واستعادة الدور الريادي لسوريا التربية تباشر تأهيل 9 مدارس بحماة مركز لخدمة المواطن في سلمية الاستثمار في المزايا المطلقة لثروات سوريا.. طريق إنقاذ لا بدّ أن يسير به الاقتصاد السوري أولويات الاقتصاد.. د. إبراهيم لـ"الثورة": التقدّم بنسق والمضي بسياسة اقتصادية واضحة المعالم خبراء اقتصاديون لـ"الثورة": إعادة تصحيح العلاقة مع "النقد الدولي" ينعكس إيجاباً على الاقتصاد المحلي في ختام الزيارة.. سلام: تفتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين لبنان وسوريا  محافظ اللاذقية يلتقي مواطنين ويستمع إلى شكاويهم المصادقة على عدة مشاريع في حمص الأمن العام بالصنمين يضبط سيارة مخالفة ويستلم أسلحة مشاركة سوريا في مؤتمر جنيف محور نقاش مجلس غرفة الصناعة منظومة الإسعاف بالسويداء.. استجابة سريعة وجاهزية عالية صدور نتائج مقررات السنة التحضيرية في ظل غياب الحل السياسي.. إلى أين يتجه السودان؟