عن ضرورة إعادة النظر في الإسلام السياسي العربي

معتز مراد – كاتب سوري

بداية، قناعتي أن دين الإسلام شيء، والإسلام السياسي شيء آخر. الإسلام يتناول العبادات والأخلاق والاعتقاد، أما الإسلام السياسي فهو محاولة توظيف الدين في إدارة الدولة، وتحويل النصوص إلى مؤسسات حاكمة. هذا المفهوم تشكل بصيغته المعروفة لأول مرة مع حسن البنا “الإسلام دين ودولة”. قبل ذلك، لم يكن الإسلام يُطرح كمشروع حكم مباشر، بل كمصدر إلهام روحي وأخلاقي للمجتمعات.
هذا التحول المفاهيمي أثّر بعمق في الوعي السياسي لملايين المسلمين، وأعاد تشكيل علاقة الدين بالسلطة في مجتمعاتنا، لكن دون أن يؤدي إلى نتائج إيجابية تخدم مصالح الناس ومستقبلهم.
اليوم، تتراجع قوى الإسلام السياسي في معظم الدول العربية. وفي الحالة السورية، من المبكر جداً تصنيف مستقبل الحكم على أنه محسوب على التيار الإسلامي بأي شكل.
المشكلة الأبرز، في تقديري، أن معظم المشاريع الإسلامية لم تمارس سياسات ناضجة حين وصلت إلى الحكم. رغم صدور كثير من الأوراق والدراسات الداعية إلى التجديد والمراجعة. بالعكس، عادت التجارب بسرعة إلى ذات الشعارات القديمة: “تحكيم الشريعة”، “الدستور الإسلامي”، وقصور واضح في الممارسة المتعلقة بمفهوم الحريات الفردية والسياسية، إضافة إلى ارتباك واضح في الالتزام بمبدأ تداول السلطة.
من بين كل هذه التجارب، تبرز التجربة التركية بوصفها المثال الأهم، من حيث آليات التفكير المختلفة والنقلة النوعية التي حصلت مع تأسيس حزب العدالة والتنمية.
مع ولادة الحزب الجديد عام 2001، وقف المراقبون في حيرة من أمرهم: هل يعتبر هذا حزباً إسلامياً أم حزباً علمانياً بقيم دينية؟ هل يمثل قطيعة مع الإسلاميين أم تجديداً لخطابهم؟ كان المشروع جديداً بالكامل، وقطع بوضوح مع صيغة الدولة الإسلامية أو الشريعة كإطار للحكم.
قدّم الحزب نفسه كحزب ديمقراطي محافظ، يُعلي من القيم الأخلاقية والدينية على المستوى الشخصي والاجتماعي، دون فرضها عبر مؤسسات الدولة. اعترف بوضوح بفصل الدين عن الدولة، لكنه دافع عن حق الدين في الوجود داخل المجال العام، ضمن رؤية علمانية معتدلة. فتح أبوابه لكل فئات المجتمع التركي، ونجح في كسب شرائح واسعة من المتدينين والعلمانيين معاً. ركّز على الاقتصاد، البنية التحتية، المعايير الأوروبية، وحريات الأفراد. لم يطرح شعارات دينية، خاصة في البدايات، بل شعارات وطنية جامعة، فكان حزباً للأتراك، لا حزباً للمتدينين فقط. هذه المقاربة فتحت أبواب الحكم أمام الحزب، ومكّنته من بناء قاعدة جماهيرية واسعة، خصوصًا في السنوات الأولى. وفي السنوات اللاحقة استطاع أن يستمر، ولو أن المنافسة بقيت شرسة جدا على عتبة الـ 51 ٪.
في العالم العربي، لم نشهد مراجعة مشابهة، ربما باستثناء النهضة في تونس، والعدالة والتنمية في المغرب، لكن هذه التجارب، لم تستطع الحفاظ على الثقة الشعبية وتقديم نموذج مُقنع ومستقر.
اليوم، نسمع قراراً جديداً من الأردن بمنع نشاط جماعة الإخوان المسلمين، رغم تاريخ الجماعة المستمر لعقود هناك. في ضوء هذا الواقع، يُصبح سؤال المراجعة أكثر إلحاحاً: هل يمكن أن تنضج المشاريع الإسلامية سياسياً؟
وهل تستطيع إجراء مراجعات سياسية، دينية، فكرية، وفقهية، تنفتح فيها على العلوم الإنسانية، وعلى نماذج الحكم والعلاقات الدولية الحديثة، وعلى فكرة الدولة الوطنية، وأكثر من ذلك، على الديمقراطية التعددية؟
لست ضد الإسلام السياسي لأن الأنظمة العربية والغربية تعاديه، بل لأنه أخفق كلما وصل وجرّب الحكم، في الوقت الذي تزداد قواعده الشعبية طالما بقي في موقع المعارضة، وهذه أيضاً قضية تحتاج إلى مراجعة ودراسات موسعة.
الإخفاق لم يكن دائماً مؤامرة خارجية، بل غالباً، كان نتيجة مباشرة لفقر الرؤية، وضعف الأداء، وانفصال الشعارات عن حاجات الناس، الحاجات المتعلقة تحديداً بالتنمية والحريات..

آخر الأخبار
2.5 مليون دولار لدعم مراكز الرعاية  من مجموعة الحبتور   السعودية تمنح سوريا 1.65 مليون برميل دعماً لقطاع الطاقة وإعادة الإعمار  حملة “دير العز”.. مبادرة لإعادة صياغة المشهد التنموي في دير الزور إقبال كبير في طرطوس على حملة للتبرع بالدم  الشيباني: سوريا تدعم مبادرات السلام والاستقرار الإقليمي والدولي "الأشغال العامة": الانتهاء من تأهيل أتوستراد دمشق - بيروت آخر أيلول  القانون الضريبي الجديد بين صناعيي حلب والمالية  أزمة البسطات في حلب.. نزاع بين لقمة العيش وتنفيذ القانون  جسر جديد بين المواطن والجهاز الرقابي في سوريا  90 مدرسة خارج الخدمة في الريف الشمالي باللاذقية  غلاء الغذاء والدواء يثقل كاهل الأسر السورية بعد تدشين سد النهضة..هل تستطيع مصر والسودان الحفاظ على حقوقهما المائية؟! قافلتا مساعدات أردنية – قطرية إلى سوريا 90 بالمئة من الأسر عاجزة عن تكاليف التعليم الحد الأدنى المعفى من الضريبة.. البادرة قوية وإيجابية.. والرقم مقبول عملية نوعية.. القبض على خلية لميليشيا “حزب الله” بريف دمشق "الإصلاح الضريبي" شرط أساسي لإعادة الإعمار المال العام بين الأيادي العابثة أرقام صادمة .. تسجلها فاتورة الفساد في قطاع الجيولوجيا الأسعار في ارتفاع والتجار في دائرة الاتهام سرافيس الأشرفية – جامعة حلب.. أزمة موقف بين المخالفات ومعيشة الأسر