هاتفتني قائلة: (لقد طبعت كتاباً في مصر عن السجينات القاصرات في سوريا، حياتهن المتكسّرة وأحلامهن المصادرة، حان الوقت لأنشره في سوريا).. لم تكن هي الكاتبة الوحيدة التي طوّعت حبرها لقضيّة إنسانيّة بل غيرها الكثير من الكتّاب والشعراء الذين أطلقوا العنان لحبرهم لوصف الظلم والقهر والاستبداد، وخاصة بعد إعلان انتصار الثورة السوريّة، وكشف الستار عن ضحاياها الذين غدوا أبطالاً في قصصٍ تكتبُ على مهلٍ، قصص قد خانتها الفصول، لكن لم تخنها ذاكرتها في تفاصيل التعذيب والقتل والاختناق، قصص موحشة حدّ الوجع آن لها أن تبصر النور. هكذا يؤدي الأدب الحقيقي رسالته في تأريخ الحالات الإنسانيّة ويحضرني قول برتولت بريشت: (إنها لجريمة أن تتحدّث عن الأزهار الجميلة حين يكون هناك بشر يُقتلون)، ولعل الوقت الذي جاء مرافقاً لثوّرة الربيع وانتصاراته حتّم علينا أن نكسر أغلال الكلام، بأن يصف الكتّاب واقعهم ويكتبونه على صفيح ساخن حين كانت توشوشه الحروف بخوف طاعن، فمن حق الكتابة أن تكون ممارسة محقّة ليبقى نتاجهم الأدبيّ شاهداً أن الحرب مرّت من هنا.. فصنعت كتاباً وأغنية ومسرحاً، صنعت من تحت الركام تفاصيل حياة وأطواق نجاة. إنها ثورة الكتابة يا سادة وتمرّد الحبر.. وفوضاه وعفويّته المحبّبة لنا من دون تصنّع ومحاباة، حبرٌ صنعته الأقدار المستجيبة لفعل (كن) حبر يحافظ على هويّته وملكيّته الفكريّة والثوريّة يؤكد لنا ومن على رفوف المكتبات العربيّة أنّ الإرادة صناعة سوريّة والحبر يشهد.