الثورة – جاك وهبه:
في الوقت الذي تشهد فيه سوريا تحولات اقتصادية عميقة، تزداد تساؤلات الصناعيين والمستثمرين حول مستقبل الصناعة المحلية، ومدى قدرتها على استعادة مكانتها بعد سنوات من التراجع.
فبعد عقود من السياسات الاقتصادية المقيدة، والتي اعتمدت على المركزية الشديدة ورأسمالية المحاباة، يجد القطاع الصناعي نفسه اليوم أمام فرصة حقيقية للانطلاق نحو مستقبل أكثر انفتاحاً، لكنه في الوقت ذاته يواجه تحديات كبيرة تتطلب شجاعة، ومرونة، ورؤية استراتيجية واضحة.
تراجع ملحوظ
لطالما كانت سوريا بلداً يعتمد على الإنتاج والتصدير، فمنذ قرون كانت الصناعات السورية، سواء في النسيج أو الغذاء أو الحرف التقليدية، تنافس في الأسواق الإقليمية والعالمية، إلا أن العقود الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً نتيجة عوامل متعددة، من بينها السياسات الاقتصادية غير المرنة، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف بيئة الاستثمار.
واليوم، مع الحديث عن انفتاح اقتصادي مرتقب، تنقسم الآراء بين من يرى في ذلك تهديداً للصناعة المحلية، ومن يعتبره فرصة ذهبية لإعادة بناء الاقتصاد على أسس أكثر صلابة.
في هذا السياق، تحدث مستشار وزير الاقتصاد والصناعة، الدكتور مازن ديروان، عن رؤيته للمرحلة المقبلة، حيث اعتبر أن التخوف من الانفتاح الاقتصادي ناتج عن تجربة طويلة من القيود التي أضعفت الصناعة المحلية، لكنه يرى أن الحل لا يكمن في الانغلاق، بل في التحول نحو اقتصاد السوق الحر.
رأسمالية المحاباة
يقول الدكتور ديروان في حديث خاص لصحيفة الثورة: “بلدنا قضى 65 عاماً في ظل اقتصاد مقيد ومركزي، وسادت رأسمالية المحاباة التي أفقرت الشعب ودمرت الزراعة والصناعة، وتركت المجال لبعض الفئات لتسيطر على الأسواق من دون منافسة حقيقية، واليوم، عندما يطرح موضوع الانفتاح على الدول العربية، نجد بعض الأصوات التي تخشى ذلك، بحجة أن صناعاتنا قد تضررت، لكن برأيي، الحل ليس في الانغلاق بل في الانفتاح المدروس، حيث يجب إعفاء المواد الأولية من الضرائب، وتخفيض ضرائب المستوردات، لأن اتفاقيات التجارة العربية يمكن أن تكون مفيدة لنا أكثر مما هي مضرة”.
ويرى ديروان أن الاقتصاد السوري يجب أن يتجه نحو المنافسة الحقيقية، بعيداً عن الاعتماد على الحماية المفرطة أو الدعم غير المستدام.
وأشار إلى أن الصناعيين أمام تحدٍّ كبير لتحسين أدائهم، ودخول الأسواق العالمية بمنتجات ذات جودة عالية، وأضاف: “المنافسة ليست خطراً، بل فرصة، كل شخص منتج، وكل من يحب عمله، يجب أن يكون سعيداً اليوم، أما من يخشى التغيير، فإما أنه غير قادر على تطوير نفسه، أو أنه معتاد على بيئة غير تنافسية، فالسوق الحر يساعد الصناعيين الأقوياء والضعفاء ليصبحوا أقوى، ولا يمكن بناء اقتصاد قوي بأيدٍ متراخية، بل نحتاج إلى روح الابتكار والعمل الجاد”.
وجهة جاذبة للاستثمارات
ومن وجهة نظر الدكتور ديروان، فإن سوريا يجب ألا تكتفي بمجاراة الدول الأخرى في توفير بيئة استثمارية مناسبة، بل يجب أن تقدم نموذجاً أكثر جذباً للمستثمرين، مؤكداً أن التقليد وحده لا يكفي لاستقطاب رؤوس الأموال، فلا يكفي أن نقول: إننا نريد أن نصبح مثل دبي أو ألمانيا، لأن المستثمر إذا وجد نفس البيئة في هذه الدول، فلن يأتي إلينا، ويجب أن نقدم نموذجاً أفضل، قوانين أكثر مرونة، بيئة أعمال أكثر استقراراً، وتسهيلات تجعل الاستثمار في سوريا خياراً منافساً وليس مجرد بديل.
بين التفاؤل والتحدي، تبدو الصناعة السورية أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تستغل هذه المرحلة لإعادة بناء قطاع إنتاجي قوي قادر على المنافسة، أو أن تظل حبيسة المخاوف والتردد، ما قد يعمّق مشكلاتها، ومع تزايد الأصوات الداعية إلى إصلاحات اقتصادية جذرية، يبدو أن النجاح في المرحلة المقبلة سيتطلب قرارات جريئة، وإرادة قوية لتجاوز التحديات والانطلاق نحو مستقبل أكثر ازدهاراً.