الثورة- منذر عيد:
جملة من العناوين والخطط والتصريحات، وضعها وأطلقها قادة الكيان الصهيوني منذ 1904 وحتى يومنا، لا يمكن أن تمر مرور الكرام، أو بالأحرى لم تكن عن عبث، ولمجرد التصريح في المؤتمرات أو على شاشات التلفزة.. “من الفرات إلى النيل”، “حدود القدس حتى دمشق”، ليست مجرد شعارات رفعت من أيام مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هيرتزل ، حتى وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش.
ولا تكتيك في سياسة زعماء الكيان لاحقاً، بل هو نهج واستراتيجية يحددان السياسة العامة للاحتلال منذ نشأته في المنطقة وحتى يومنا هذا، ويرسمان الطريق لما يقوم به زعماء الكيان الصهيوني، الأمر الذي يفسر سلسلة الاعتداءات المتكررة على سوريا والتي كان آخرها فجر السبت بشن قرابة 20 غارة على مواقع في دمشق وريف حماة ودرعا واللاذقية، ومن قبلها غارة جوية على منطقة مجاورة لقصر الرئاسة بدمشق.
تفتيت المنطقة
لا يخفى على أحد أن الكيان الصهيوني يعمل وفق خطط منهجية على تحقيق مزيد من التفتيت لدول المنطقة، من باب الطائفية والعرقية، لكسب هدفين أساسين، أولهما شرعنة تحويل كيانه إلى كيان طائفي عرقي يهودي، يصبح مقبولاً وطبيعياً في محيط مبني على الطائفية، وثانيهما، نسف مفهوم الدولة الوطنية والقومية سواء في سوريا أو باقي الدول العربية، وهو ما يفسر إعلان الكيان وتبريره للعدوان على سورية، من باب “الإنسانية والديمقراطية” لحماية طائفة الموحدين الدروز، التي أعلن وجهاء الطائفة في السويداء جهاراً في بيان الخميس الماضي التزامهم بالثوابت الوطنية ورفضهم لأي دعوات انفصال أو تقسيم، مشددين على أن أبناء الطائفة “جزء لا يتجزأ من الوطن السوري الموحّد”، حسب ما ذكرت وكالة “سانا”. في سردية سريعة لسلسلة من الرؤى والخطط التي يعمل عليها الكيان، وفق ما ينظر ويخطط له قادة ومفكرو الكيان، يظهر جلياً، مدى تركيز الجميع على فكرة تفتيت المنطقة، ودعم الأقليات فيها لتحقيق ذلك، حيث اقترح المؤرخ الصهيوني الأميركي الشهير برنارد لويس في مشروع نشرته مجلة “إكسكيوتف إنتلجنت ريسرش بروجكت” (التي تصدرها وزارة الدفاع الأميركية) في حزيران 2003، تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية لحماية المصالح الأميركية وإسرائيل، إذ دعا إلى تجزئة العراق إلى ثلاث دويلات، وإيران إلى أربع، وسوريا إلى ثلاث، والأردن إلى دويلتين، ولبنان إلى خمس، والسعودية إلى دويلات عدة، كما ذكر الكاتب أحمد سعيد نوفل في كتابه “دور إسرائيل في تفتيت الوطن العربي”.لم تكن رؤية برنارد لويس الأولى في سلسلة الدعوات الصهيونية لتمتين ركائز ما يسمى الدولة الإسرائيلية وتوسعها في المنطقة، بل إن بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي، وجد في التكوينات العرقية والطائفية في البلاد العربية فرصة للإسهام في تضخيم الخلافات، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواؤها، ودعا إلى اتباع إستراتيجية “شدّ الأطراف” فيما يتعلق بتعامل الكيان مع دول المنطقة، ليتم تطوير الاستراتيجية لاحقا إلى “شد الأطراف ثم بترها” من خلال التركيز على التعامل مع الأقليات وتشجيعها على الانفصال.
إضعاف الدول العربية
وعلى النهج ذاته سار الصحفي والدبلوماسي ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون عوديد ينون من خلال ما عرف بخطة “ينون” ، والتي تركز على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقاً كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وأوضح أن إقامة “إسرائيل الكبرى” تتطلب تفتيت الدول العربية القائمة حالياً إلى دويلات صغيرة تصبح كل منها معتمدة على إسرائيل في بقائها وشرعيتها، لأن الأخيرة لا تستطيع الاستمرار في البقاء إلا إذا أصبحت قوة إقليمية مهيمنة “إمبريالية”.
ما يقوم به الكيان الصهيوني من عدوان متكرر على سوريا، واحتلال أراضٍ جديدة، وانتهاكه اتفاقية فض الاشتباك 1974، والادعاء بحماية الأقليات في سوريا ليس إلا خطوة على طريق تحقيق شعار “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”، ومحاولة لإنعاش طموحات إسرائيل القديمة، من خلال الحديث عما يسمى “ممر داوود” الممتد من الجولان المحتل مروراً بدرعا والسويداء والبادية السورية إلى دير الزور، ثم الحدود العراقية- السورية نحو مناطق إقليم كردستان العراق، ليعيد كل ذلك إلى الأذهان مقطع فيديو قديم لوزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش يعود لعام 2016، حيث قال حينها وكان عضواً في الكنيست في مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية: إن “حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق” وإن “على إسرائيل الاستيلاء أيضاً على الضفة الشرقية من نهر الأردن”، وفق ما نشرت وكالة “الأناضول” في تشرين الأول الماضي.