الثورة – تحقيق سمر حمامة:
تعاني سوريا في الوقت الراهن من أزمة مائية متفاقمة، باتت تهدد حياة المواطنين اليومية، بل وتمسّ ركائز الأمن الصحي والغذائي والبيئي.
تعود أسباب هذه الأزمة إلى عدة عوامل متداخلة، أهمها: الانخفاض الحاد في كميات الهطولات المطرية خلال السنوات الأخيرة، وسوء إدارة الموارد المائية، إضافة إلى غياب خطط فعّالة لترشيد الاستهلاك وضمان العدالة في التوزيع بين المناطق السكنية.. في هذا التحقيق نتابع الواقع، والمطلوب..
تراجع الهطولات
يُعدّ ضعف الهطولات المطرية من أبرز العوامل التي عمّقت هذه الأزمة، فقد سجّلت العديد من المحافظات معدلات أمطارأدنى بكثيرمن المعدل السنوي المعتاد، وهو ما أثّر بشكل مباشرعلى منسوب المياه الجوفية والسطحية، وانعكس سلباً على مصادر الشرب والزراعة والثروة الحيوانية، خاصة أننا بلد يعتمد في جزء كبيرمن مياهه على الأنهار والأمطار الموسمية، لذلك فإن أيّ خلل في التوازن المناخي يُنتج آثاراً كارثية متتالية، بدءاً من جفاف الينابيع والآبار، وصولاً إلى تعثّر مشاريع الريّ وتراجع الإنتاج الزراعي، ما يفاقم من معدلات الفقروالنزوح.
صهاريج جوالة
تشير شكاوى عدد كبير من السكان في مناطق مختلفة إلى تراجع واضح في ضخ المياه من الشبكة العامة، ولفترات طويلة، تصل في بعض الأحيان إلى أسبوع أو أكثر، ما يضطر الأهالي إلى اللجوء لشراء المياه من الصهاريج الجوالة، وهي خطوة مكلفة وخطيرة في آنٍ معاً.
وتعدّ هذه الظاهرة من أخطر ملامح الأزمة الحالية، فانتشار شراء المياه من صهاريج غير مرخّصة، وغالباً ما تنقل المياه من مصادرغير مضمونة ومجهولة المصدر مثل المسابح أو الآبارالخاصة غير الخاضعة للتحاليل المخبرية قد تؤدي إلى كوارث بيئية وصحية، وقد تكون سبباً في نقل أمراض معدية نتيجة غياب الرقابة الصحية عنها.
إضافة إلى أن هذه المياه تُباع بأسعارمرتفعة جداً تفوق قدرة كثيرمن الأسر، وتتفاوت أسعارهذه الصهاريج من منطقة إلى أخرى، حيث يبلغ سعرالخزان الواحد، سعة خمسة براميل، في بعض الأحياء أكثر من 100 ألف ليرة سورية، وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على دخل المواطن المحدود، خاصة في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية.
صوت المواطن
يطالب المواطنون الجهات المعنية- وعلى رأسها وزارة الموارد المائية والبلديات، ولجان الأحياء- بوضع آليات صارمة لضبط عمل هذه الصهاريج، تشمل منح تراخيص توزيع موقعّة من البلديات، تضمن مصدرالمياه، ونوعية الخزانات، ونظافتها، وضمان التسعيروفق لائحة رسمية موحدة.
ويرى مواطنون ضرورة إلزام أصحاب الصهاريج بوضع لافتات تعريفية على المركبات تحمل اسم الموزع ورقم الترخيص، لتسهيل عمليات الرقابة والمتابعة في حال ورود شكاوى أو ظهور حالات تلوث.
“أم محمد” من تجمع الحسينية بريف دمشق، تقول لـ “الثورة”: أكثرمن أسبوع ولم تصلنا المياه في الحي الذي نقطن فيه في التجمع، فيما الحي المجاور لنا تصله المياه كل يومين، ونحن أمام هذا الواقع المائي الصعب، مضطرون إلى شراء المياه من الصهاريج، ودفع 120 ألف ليرة لكلّ خزان خمسة براميل.
وتساءلت أم محمد: لماذا لا توزع المياه بعدالة في كافة أحياء تجمع الحسينية؟.
فضلاً عن مراقبة ومعرفة مصدر المياه التي تبيعها الصهاريج، تحسباً لأي أمراض ناتجة عن تلوث المياه.
“أبو كرم” من سكان ضاحية الشام بريف دمشق، بيّن أن الوضع لا يُحتمل، لا عدالة بالتوزيع ولا رقابة على أسعار المياه، والصهاريج تتحكم بالقاطنين، والقائمين على مجلس البلدة غير مكترثين بمشكلة نقص المياه في الضاحية، لجهة التعاون والتنسيق مع وحدة المياه في الضاحية، لأجل التوزيع العادل للمياه، وتشديد الرقابة على أصحاب الصهاريج الذين انعدمت من قلوبهم الرحمة، لجهة البيع بأسعار لم نعد نتحملها نحن ذوي الدخل المحدود.
رنا (طالبة جامعية من جرمانا)، قالت: بصعوبة أدبرأموري في تأمين المياه التي لا تصلنا إلا نادراً، ومضطرة أمام هذا الواقع الصعب أن أشتري غالونين من البقالية بسعر 15 ألف ليرة!،وطالبتْ بإيجاد تنظيم وتراخيص للصهاريج التي تبيع المياه من دون أي رقيب أو حسيب.
إعلان حالة الطوارئ
خبيرالمياه والموارد المائية المهندس نادر البني أكد لـصحيفة الثورة أن موضوع المياه في الظرف الراهن معقد جداً ويتوزع لثلاث مراحل: المرحلة الأولى: إعلان حالة الطوارئ خوفاً من انتشار الأمراض والعطش بسبب الجفاف الحاصل لدينا، المرحلة الثانية: متوسطة المدى وهي أولويات إدارة الطلب على الموارد المائية، المرحلة الثالثة: تتطلب وضع استراتيجية مائية مستدامة وهذه تتطلب دراسة ووقتاً وتمويلاً لتنفيذها.
وأضاف البني: اليوم ليس لدينا الوقت والتمويل والترف والتنظير الاستراتيجي، علينا إعلان حالة الطوارئ الاستثنائية لتأمين مياه الشرب منعاً لانتشار الأمراض وخاصة عند الأطفال.
مؤشر خطير
بالنتيجة، أزمة المياه الحالية في سوريا، تعد مؤشراً خطيراً على عمق التحديات المائية التي تواجه البلاد، ومع استمرار تفاقم الوضع، لا بد من تكاتف جهود الحكومة والمجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني لإيجاد حلول متكاملة وعادلة.
كما أن إدارة ملف المياه والنظم المائية باعتبارها منفعة عامة، تستدعي من أصحاب القرار في وزارة الطاقة والوزارات ذات العلاقة تدخلاً عاجلاً واعتماد استراتيجيات تعزز استخدام المياه على أساس مبادئ عدم التدهور، وحماية الموارد المائية من التهديدات المتزايدة لتغير المناخ لضمان وصول المياه بعدالة إلى مستحقيها، فالمسؤولية وطنية وأخلاقية لا تقبل التأجيل.