الثورة- منذر عيد :
تشكل فرنسا مع ألمانيا ثقلاً كبيراً في الاتحاد الأوروبي، ما سمح لهما بتأسيس شراكة سياسية ذات تأثير كبير داخل “الاتحاد” فهما من بين المؤسسين الستة للوحدة الاقتصادية الأوروبية (EEC) في عام 1957، وعلى مستوى السكان أو سوق المستهلكين والإنتاج يمثلان قوة هائلة، ويشكلان “محرك” الاتحاد الأوروبي.
لسنا بصدد الحديث عن تاريخ العلاقات الفرنسية- الألمانية، بل ما تم ذكره آنفاً مناسبة للحديث عن أهمية زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس، لما تشكله من ثقل في الاتحاد الأوروبي، وإشارة إلى دلالات أن تكون فرنسا أولى محطاته في القارة الأوروبية، وأهمية أن تكون أبواب الإليزيه أولى الأبواب الأوروبية التي تفتح أمام الرئيس الشرع، لتكون بذلك فرنسا بوابة سوريا إلى أوروبا، لبناء علاقات جديدة متوازنة بعد سنوات من القطيعة والعقوبات نتيجة سياسات نظام بشار الأسد المخلوع.
المنبر الفرنسي
من المؤكد أن حديث الرئيس الشرع من المنبر الفرنسي عن العديد من الموضوعات التي تشكل حجر عثرة أمام الإدارة السورية الجديدة في الانتقال إلى سوريا الجديدة المتطورة، مثل العقوبات الاقتصادية، والعدوان الإسرائيلي المتكرر، وإعادة الإعمار، سوف يكون له صدى أوسع وأكبر داخل دول “الاتحاد”، ويمكنه من الوصول إلى العقل الأوروبي، ودفعه إلى إعادة النظر في كثير من السياسات التي انتهجها في عهد النظام السابق، والانطلاق نحو سياسة جديدة على مبدأ المصالح المشتركة، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية تربطها علاقات تاريخية مع الشعب السوري، إضافة إلى وجود المواطنين السوريين وبكثرة في دول الاتحاد، حيث باتوا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي وفي بقاع الأرض يُعلم ويتعلم” ، ليؤكد الرئيس الشرع خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ” سوريا ليست مجرد ماضٍ موجع، إنها شعب رفض أن يمحى، ورفض الخضوع لحكم الاستبداد، وفعل كل ما يلزم للبقاء، رغم الإهمال والتقاعس والأحكام المسبقة من العالم، وفعل ذلك دون أن يتنازل”، حسبما ذكرت وكالة “سانا”.
نقطة تحول
أهمية الزيارة، عكستها تصريحات وزير الخارجية أسعد الشيباني بقوله عبر حسابه على منصة “إكس”: “شكلت الزيارة التاريخية إلى باريس رفقة فخامة الرئيس أحمد الشرع، نقطة تحول في ملف رفع العقوبات المفروضة على سوريا، وتعزيز الأمن الإقليمي، وخلق بيئة دائمة للسلام والاستثمار التجاري في المنطقة”، بحسب “سانا”.
من المؤكد أيضاً أن أهمية الزيارة لا تنعكس على الجانب السوري فقط، بل هي مهمة للجانب الفرنسي، خاصة في ضوء سعي باريس لاستعادة دورها في سوريا، حيث أوضح مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أن باريس تشعر بضرورة أن تلعب الدور مجدداً في دمشق لأن المنطقة داخل نطاق اهتماماتها، فضلاً عن أهمية وارتباط سوريا بضمان استقرار لبنان، حسبما ذكرت قناة “الجزيرة”.
آفاق جديدة فتحتها زيارة الرئيس الشرع الى فرنسا، وربما تمهد الطريق أمام باقي دول الاتحاد للسير في ركب فرنسا، لنتذكر جميعاً ما قالته وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك لدى وصولها دمشق في الثالث من كانون الثاني الماضي برفقة نظيرها الفرنسي جان نويل بارو أن الزيارة مع نظيرها الفرنسي “نيابة عن الاتحاد الأوروبي، إشارة واضحة على أن بداية سياسية جديدة بين أوروبا وسوريا، وبين ألمانيا وسوريا، أمر ممكن”.