ضياء قدور – كاتب وصحافي سوري
أشارت تقارير حديثة صادرة عن لجنة الأبحاث الدفاعية والاستراتيجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، استناداً إلى معلومات من شبكة منظمة مجاهدي خلق داخل إيران، إلى وجود مشروع سري تابع لمنظمة الابتكار والبحث الدفاعي (SPND) في إيران، بدأ منذ عام 2009.
ووفقاً لهذه المعلومات، فإن المشروع يهدف إلى تعزيز القدرات النووية، ما يثير تساؤلات حول النوايا الاستراتيجية للنظام الإيراني وأثرها المحتمل على الأمن الإقليمي والدولي.
بحسب المصادر، يسعى المشروع إلى تطوير سلاح نووي يمكن تركيبه على صواريخ باليستية يزيد مداها على 3000 كيلومتر.
وقد أُعلن عن محافظة سمنان كموقع عسكري، وتم إنشاء منشآت خاصة مرتبطة بهذا البرنامج، أبرزها منشأة سرية في منطقة إيوانكي بمحافظة گرمسار، تُعرف باسم “موقع قوس قزح”، تمتد على مساحة تبلغ نحو 2500 فدان.
وتشير المعلومات إلى أن العمل في هذا الموقع بدأ في 2009، وأصبح قيد التشغيل نحو عام 2013.
يُقدَّم الموقع رسمياً كمرفق لإنتاج المواد الكيماوية لصالح الصناعات النفطية والبتروكيماوية تحت اسم “ديبا إنرجي سينا”، غير أن المعلومات المسرّبة تزعم أنه يُستخدم ضمن برنامج لتطوير صواريخ محتملة التسلح نووياً، ويُدار تحت غطاء برنامج لإطلاق الأقمار الصناعية.
وتضيف التقارير أن خمس شركات واجهة تعمل تحت مظلة الشركة الأم “بيشتازان توسعة صناعية آريا رازي”، التي يترأسها العميد ناصر مالكي، المدرج على قوائم عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ عام 2007.
ويُقال إن جزءاً أساسياً من هذا المشروع يركّز على استخدام التريتيوم، وهو عنصر يُستخدم في تعزيز القدرة التدميرية للأسلحة النووية، ولا سيما في القنابل الحرارية (الهيدروجينية).
ومنذ عام 2013، ورد أن منظمة SPND بدأت باستقطاب خبراء في مجالات متقدمة، كالدكتور إبراهيم حاجي إبراهيمي، المتخصص في العلوم النووية، وهادي زاكر خاطر، الأستاذ في جامعة مالك الأشتر المرتبطة بوزارة الدفاع.
وتعيد هذه المعلومات الجدل بشأن طبيعة البرنامج النووي الإيراني، فرغم التصريحات الرسمية المتكررة التي تؤكد سلمية البرنامج، إلا أن استمرار العمل في منشآت سرية وحساسة يفتح الباب أمام الشكوك حول وجود أهداف عسكرية غير معلنة.
وكانت تقارير سابقة قد أشارت إلى توقف مشروع “عماد” الإيراني في عام 2003، والذي كان يهدف إلى إنتاج رؤوس نووية لصواريخ شهاب-3، إلا أن المشروع الجديد، بحسب التسريبات، يتسم بطموح أكبر على مستوى مدى الصواريخ وكفاءة السلاح النووي.
الموقع يتمتع بحماية مشددة من قبل الحرس الثوري الإيراني، وتشير تقارير إلى نشر أنظمة رادارية ودفاعية بالقرب منه، بالإضافة إلى فرض إجراءات أمنية صارمة تمنع اقتراب السكان المحليين.
هذه الإجراءات تُفسَّر على أنها مؤشر إضافي لحساسية المشروع وأهميته بالنسبة للدوائر العسكرية في طهران.
وقد أثارت هذه التطورات قلقاً في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية، لا سيما في ظل الظروف الداخلية المعقّدة التي تمر بها إيران، والتي تتسم باضطرابات اجتماعية وتنفيذ أحكام إعدام بأعداد لافتة، وُثق منها أكثر من 1200 حالة منذ أغسطس الماضي، بحسب تقارير حقوقية.
في هذا السياق، تتعالى الأصوات التي تدعو إلى تشديد الرقابة الدولية على الأنشطة النووية الإيرانية، وتفعيل آليات مراقبة فعّالة لضمان عدم استخدام البرنامج لأغراض غير سلمية، لا سيما مع اقتراب موعد انتهاء بعض بنود العقوبات الدولية.
وبينما تبقى السبل الدبلوماسية مطروحة، هناك من يرى أن تعزيز الشفافية والرقابة المستقلة يمكن أن يسهم في تقليل التوترات ويمنع مزيداً من التصعيد في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن البرنامج النووي الإيراني لم يعد شأناً داخلياً فحسب، بل بات جزءاً من شبكة توازنات إقليمية ودولية متشابكة. وإذا لم تُتخذ خطوات جدية لاحتوائه ضمن أطر قانونية ودولية واضحة، فقد يؤدي استمرار الغموض والازدواجية إلى سباق تسلح جديد في الشرق الأوسط، ويضع المنطقة أمام سيناريوهات شديدة التعقيد والتكلفة.
وفي ضوء هذه التطورات، يبقى من الضروري أن تتحرك القوى الدولية، بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكثيف الضغط من أجل الشفافية الكاملة، وتقييم المخاطر المحتملة، والعمل على بناء توافق إقليمي يمنع انزلاق المنطقة نحو صراع مفتوح يصعب احتواؤه.