الثورة – ميساء العلي:
كشف وزير المالية محمد يسر برنيه مؤخراً عن توجه لإصدار عملة سورية جديدة في الوقت المناسب، مؤكداً أن إعادة النظر في العملة الحالية أصبح أمراً مطروحاً على الطاولة.
انطلاقاً من هذا العنوان استعرضت صحيفة الثورة في ملفها اليوم عدداً من وجهات النظر لأكاديميين وباحثين في المجال المصرفي والمالي.
حزوري: أمر حساس
بدوره يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري: إن طرح موضوع تغيير العملة (إعادة إصدارها أو استبدالها بعملة جديدة) في سوريا في الوقت الراهن أمر حساس وله أبعاد اقتصادية وسياسية عميقة، ويعتقد أنه من المبكر تغيير العملة حالياً، وإنما يجب الانتظار، وعند الضرورة يمكن إصدار مؤقت بديل للأوراق النقدية التي تحمل رموز العهد البائد.
ويرى أن السبب الرئيسي للتريث، هو أن الظروف الاقتصادية والمالية، لا تسمح بذلك، كون أن السلطات النقدية غير قادرة على ضبط معدل التضخم وسعر الصرف، يضاف إلى ذلك تزعزع الثقة حالياً بالمنظومة المصرفية نتيجة سياسة تقييد السحب وحبس السيولة.. كما أن الاقتصاد، يهيمن عليه الصفة الريعية أكثر من الإنتاجية، ويعتمد على التحويلات الخارجية والمساعدات، يضاف إلى ذلك أن الاحتياطيات الأجنبية منخفضة جداً (بحسب التقديرات، لا توجد احتياطات كافية لدعم عملية التغيير).
يحتاج احتياطي نقدي
وبحسب كلام الدكتور حزوري- فإن تغيير العملة يحتاج إلى احتياطي نقدي قوي (دولار، يورو، ذهب) لدعم قيمة العملة الجديدة، ومنع تدهورها السريع، كما أن كلفة طباعة وتوزيع ضخمة، خاصة مع الحاجة إلى أن تكون العملة أكثر أماناً ومتانة إضافة إلى وجود شبكة مصرفية قوية لضمان سحب القديم وضخ الجديد من دون فوضى ولا تتوفر هذه الشروط حالياً في الاقتصاد السوري.
وحول إيجابيات تغيير العملة فيما لوتم إقرارها (نظرياً)، فهي:
– مكافحة التزوير، أي إصدار أوراق جديدة بتقنيات أمنية حديثة يقلل من التزوير المنتشر.
– سحب الكتلة النقدية الكبيرة غير المضبوطة من السوق، إضافة إلى الحد من الاقتصاد غير الرسمي إذا تم ربط العملية بإجراءات مصرفية صارمة.
– كما أنه رمزية لبدء مرحلة اقتصادية جديدة بعد التحرير، وخاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية مبدئياً، لأن الرفع الفعلي يحتاج إلى أشهر، وأن يترافق ذلك مع إصلاحات حقيقية، في كل القطاعات الاقتصادية والخدمية.
أما عن سلبيات تغيير العملة في الوقت الحالي، فيقول حزوري: هناك تكلفة عالية جداً للطباعة والتوزيع في ظل أزمة مالية قائمة، إضافة إلى مخاطر فقدان الثقة بالعملة الجديدة إذا لم يتم دعمها باحتياطي حقيقي، بحيث لا تفقد قيمتها بشكل سريع نتيجة عدم السيطرة على التضخم وعلى سعر الصرف، ناهيك عن تفاقم التضخم إذا رافق التغيير ضخ نقود دون تغطية حقيقية لقطاعات الإنتاج الحقيقي، مع وجود تعقيد في التعاملات اليومية وانتشار السوق السوداء خلال فترة الانتقال، كما أنه سيشكل ضغط على المواطن البسيط في ظل غياب البنية المصرفية الإلكترونية أو منظومة دفع الكتروني.
تكلفة الطباعة
من جهة أخرى- والكلام للدكتور حزوري- لتقدير الاحتياطي المطلوب لتغيير العملة السورية بنجاح، نحتاج أولاً إلى فهم بعض المعايير الأساسية، ثم نحسب تقريباً ما قد تحتاجه سوريا في حال أرادت تنفيذ هذه الخطوة بأمان نسبي.
ومن أساسيات التقدير:
– الكتلة النقدية المتداولة (M0):
تقديرات غير رسمية تشير إلى أن الكتلة النقدية السورية (النقود الورقية والمعدنية المتداولة) تتجاوز: 10 إلى 15 تريليون ليرة سورية بما (يعادل نحو 1,5 إلى 2 مليار دولار بسعر السوق السوداء، وقد يكون أقل إذا حسبنا قيمة القوة الشرائية).
– تكلفة طباعة العملة الجديدة تتراوح بين 5 إلى 15 سنتاً أميركياً للورقة الواحدة (حسب الجودة، المزايا الأمنية، مكان الطباعة)، إذا تم طباعة 1 مليار ورقة نقدية، قد تصل التكلفة وحدها إلى 100 إلى 150 مليون دولار.
– قاعدة احتياطي داعمة:
في الدول التي تعاني من ضعف الثقة بالعملة الوطنية، كالحالة السورية، يُفضّل أن يغطي الاحتياطي الأجنبي: 100 بالمئة من الكتلة النقدية على الأقل (أو أكثر لتثبيت سعر الصرف).
بعض الدول الناشئة تعتمد قاعدة تغطية جزئية (50– 70 بالمئة) إذا كانت الثقة متوسطة.
أما التقدير التقريبي للاحتياطي المطلوب، فسوريا بحاجة إلى احتياطي يتراوح بين 2 إلى 2,5 مليار دولار على الأقل لتغيير العملة بأمان نسبي.
وهذا الرقم لا يشمل دعم أسعار السلع أو الاستيراد، بل فقط لدعم العملة الجديدة وحمايتها من الانهيار، وفي حال لم يتوفر هذا الاحتياطي، فإن أي تغيير للعمل لن يعيد الثقة بالليرة وقد يؤدي إلى تسارع في التضخم وتآكل مدخرات المواطنين بسرعة أكبر.
ويختصر حزوري، تغيير العملة قد يكون ضرورياً في المستقبل، لكن حالياً لا يُنصح به من دون تحسن جذري في الوضع الاقتصادي والسياسي، وزيادة الاحتياطات الأجنبية، مؤكداً أن الأجدى الآن هو التركيز على تعزيز الإنتاج، ضبط السوق، مكافحة الفساد، وجذب التحويلات والاستثمارات، قبل التفكير بخطوة كبرى كاستبدال العملة.
نجمة: أخذ العبر من التجارب المشابهة
من جهته يقول نبال نجمة- دكتور دولة في العلوم المصرفية والمالية بجامعة باريس: إن فكرة طباعة عملة جديدة وحذف الأصفار برزت كأحد الخيارات المطروحة على طاولة السياسات النقدية في سوريا، وذلك من أجل استعادة الثقة بالعملة الوطنية، والسيطرة على التضخم، وتسهيل المعاملات المالية، وأيضاً إزالة الأثر البصري للعملة الحالية الذي يشير لرموز النظام السابق، ورغم أن هذه الخطوة تبدو مغرية من الناحية الشكلية، إلا أنها تنطوي على آثار معقدة، ينبغي الإحاطة بها، وأخذ العبر من التجارب الدولية المشابهة.
من فوائد إصدار عملة جديدة وحذف الأصفار- بحسب نجمة- تسهيل المعاملات النقدية اليومية والتقليل من الأخطاء الحسابية، والعد، بالإضافة إلى مكافحة التزوير، وإمكانية استرجاع الثقة بالعملة الوطنية كون العملية ترمز إلى انطلاقة اقتصادية جديدة.
وأما من جهة المحاذير، فيبرز خطر تسارع التضخم، وإحداث حالة من الارتباك لدى المتعاملين، ووجود تكاليف للطباعة والاستبدال، بالإضافة إلى ضرورة تعديل الأنظمة المصرفية والتعليمات الإدارية ذات الصلة.
ويتابع كلامه: “من المفيد الإشارة إلى أن طباعة عملة جديدة وإزالة الأصفار، من دون أن تترافق بإجراءات اقتصادية أخرى، ستعني ببساطة تغيير الشكل والوحدة النقدية للعملة المتداولة، وهذا لا يحسن فعلياً من قوتها الشرائية، لأن التغيير سيشمل الأسعار كما الدخول، بشكل متوازي وبنفس النسبة، ويكون بذلك الأثر الصافي معدوماً.
ولذلك فان نجاح مثل هذه الخطوة في سوريا مرهون بعدة عوامل أساسية تتجاوز الشكل وتركز على القيمة، ومنها إصلاح النظام المالي العام، كضبط العجز وزيادة الإيرادات الحكومية، وتحقيق استقلالية المصرف المركزي لكي يتمكن من صياغة السياسة النقدية بعيدا عن الضغوط الحكومية.
ويختم كلامه بالقول: إن إصدار عملة جديدة وحذف الأصفار ليس حلاً سحرياً، بل إجراء نقدي وإداري قد ينجح إذا كان جزءاً من حزمة إصلاحات اقتصادية وسياسية متكاملة توفر الشروط الضرورية لتحقيق الاستقرار النقدي، ومن غير ذلك تكون هذه الخطوة مجرد تغيير في الشكل لا المضمون، وتعديلاً على المظهر من دون النفاذ إلى الجوهر.