أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي:
أعلن نور الدين البابا المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية السورية، في مؤتمر صحفي، اليوم السبت 24 أيار، عن إطلاق الهيكلية التنظيمية الجديدة للوزارة، وذلك عقب جلسة تشاورية فريدة ضمت عدداً من الشخصيات الوطنية المتخصصة في المجالات الحقوقية والإدارية والأمنية، من بينهم ضباط سابقون منشقون عن النظام البائد.
وأكد البابا أن الجلسة التي انعقدت الأسبوع الماضي تُعد سابقة في تاريخ الوزارة، من حيث الشفافية ومشاركة الرأي العام، مشيراً إلى أن الوزارة تلقت ملاحظات مهمة من الحضور، وجرى عرض التعديلات على الهيكلية المعدلة، والتي أُقرت لاحقاً من قبل رئاسة الجمهورية.
ولفت إلى أن الهيكلية الجديدة استُلهمت من الرؤية الاستراتيجية للوزارة، وراعت المتطلبات المحلية، بالاستناد إلى خبرات أكاديمية سورية، داخلية وخارجية، وبما يواكب روح العصر والتجارب الدولية المتقدمة.
أبرز التعديلات في الهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية السورية تركزت على:
فيما يتعلق بـ “الأمن الداخلي وهيكلة جديدة للشرطة”، تحدث الباب عن دمج جهازي الشرطة والأمن العام تحت مظلة واحدة تُدعى “قيادة الأمن الداخلي في المحافظة”، برئاسة قائد واحد يمثل وزير الداخلية، ويُشرف على مديريات الأمن في مناطق المحافظة.
ولفت إلى إطلاق مشروع إعادة هيكلة الإدارة العامة للشؤون المدنية، يشمل أتمتة الإجراءات، وتصميم بطاقات شخصية جديدة بهوية بصرية معاصرة، رغم التحديات المتعلقة بالبنية التحتية المدمّرة، كما تحدث عن إنشاء خمس دوائر مركزية لتلقي الشكاوى، تتبع لإدارة العلاقات العامة، كما ستُطلق الوزارة قريباً تطبيقاً رقمياً خاصاً بالشكاوى، إلى جانب إدارات خاصة بالرقابة والمحاسبة والتجاوزات المسلكية.
في سياق “الأمن السيبراني وأمن الاتصالات”، أعلن البابا استحداث إدارات متخصصة في المعلوماتية، وأمن الشبكات، والاتصالات، لمواكبة تحديات الاختراق والجرائم الإلكترونية، ولحماية البيانات الحساسة، كما تحدث عن تغيير اسم “الأمن الجنائي” إلى “إدارة المباحث الجنائية”، لما في الاسم الجديد من بعد مهني وأكاديمي، كما أُضيف إلى صلاحياتها مكافحة الجرائم الإلكترونية والابتزاز.
كشف المتحدث عن إنشاء إدارة جديدة للسجون والإصلاحيات تُعنى بحقوق الإنسان وإعادة تأهيل السجناء، لتكون السجون وسيلة لإصلاح السلوك بدلاً من العقاب الوحشي الذي كان سائداً في النظام البائد، كما أعلن عن تعزيز إدارة مكافحة المخدرات ودعمها بمراكز جديدة لعلاج الإدمان بالتعاون مع وزارة الصحة، بعد أن تحولت سوريا سابقاً إلى بؤرة لتصدير الكبتاغون.
وفي سياق “المرور الذكي”، طرحت الوزارة رؤية مرورية حديثة تعتمد على تقنيات المدن الذكية، لتقليص الفساد ورفع كفاءة الخدمة، واستبدال المهام التقليدية بأخرى آلية متطورة، كما أعلن تأسيس إدارة جديدة مختصة بتأمين المواقع السياحية وتدريب كوادرها على اللغات الأجنبية للتعامل مع الزوار والسياح ضمن رؤية لتعزيز الاقتصاد السياحي.
وعلى الحدود، أُنشئت إدارة مستقلة لحرس الحدود البرية والبحرية، لمكافحة التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود بالتنسيق مع دول الجوار، في حين جرى تأسيس إدارة لتأمين الطرق الرئيسية والبنى التحتية الحيوية كخطوط الطاقة والاتصالات، كما تأسست إدارة ذات وحدات عالية التدريب والجاهزية، للتدخل في حالات الطوارئ كأعمال الشغب أو احتجاز الرهائن أو تأمين الفعاليات الكبرى.
وعلى صعيد “الأمن الدبلوماسي والحماية”، استُحدثت إدارة جديدة لتأمين المنشآت الحيوية والسفارات والشخصيات الرفيعة، تماشياً مع الانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي المتوقع، كما تأسست إدارة لمكافحة الإرهاب تعمل بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة، لمواجهة الجماعات المتطرفة والشبكات الإجرامية العابرة للحدود، ولفت إلى إنشاء إدارة لتأهيل وتدريب العاملين في الوزارة، عبر أكاديمية متخصصة ومراكز أبحاث شرطية وأمنية.
ولفت المتحدث إلى أن وزارة الداخلية السورية لم تعد تُعرّف نفسها كأداة قمعية، بل كجهة خدمية تؤمن السلم الأهلي وسيادة القانون، وترى في المجتمع شريكاً أساسياً في بناء بيئة آمنة ومستقرة، وشدد على أن هذه الهيكلية تأتي ضمن جهود إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس شفافة، مهنية، وإنسانية، وترسيخًا لقيم المواطنة والعدالة بعد عقود من الاستبداد والخراب.
الهيكلية الجديدة لوزارة الداخلية هي أحد أهم مفاصل التحول في سوريا ما بعد نظام الأسد، كونها تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة على أسس الكرامة، الحماية، والمساءلة، وتُمهّد الطريق لبناء مؤسسات شرعية وحديثة تحترم الحقوق وتخدم المجتمع، لا تخنقه، وتعتبر خطوة حقيقية نحو إعادة الثقة بمؤسسات الدولة، وتأكيد على أن “سوريا الجديدة” تُبنى بالإصلاح لا بالقبضة الأمنية.