حلب – حسن العجيلي:
على حافة الزمن، يقف “باب أنطاكية” كأنه حارس منسي لمدينة تخبّئ داخلها مئات السنين من الحكايات، هناك في منتصف الجهة الغربية من سور حلب القديمة، يبدأ المشي في ذاكرة المدينة من عتبة خشبية عتيقة، كانت في يومٍ ما طريق القوافل إلى أنطاكية، ومنها حملت الاسم باب أنطاكية.
الباب لا يزال قائماً، بطابعه الجليل، خشبٌ سميك تغطّيه أربطة حديدية ومسامير ضخمة، توحي أن هذا المدخل كان معدّاً ليصد الريح والغزاة، لا أن يرحّب بالعابرين فقط.
بين برجين حجريين بارزين ومتوازيين، يستقر الباب جانبياً في البرج الأيمن، مبنياً من حجارة ضخمة يتراوح طول الواحدة منها بين 80 سنتيمتراً ومتر كامل، حين تلمس الجدار، تشعر بخشونة الحجر وحرارته المخزّنة من الشمس، كأن الجدار نفسه يتنفس من قدم التاريخ.
داخل البرج، وعلى جانب الباب، ما زالت بقايا مطحنة قديمة تستريح بصمت.. حجرا رحى ضخمان، كانا يدوران ذات يوم لطحن السمسم، يشهدان على أن المكان لم يكن معبراً فقط، بل أيضاً نقطة إنتاج وحياة، في السقف، كانت تتدلى كرة معدنية قطرها نحو 20 سم، عُلقت بسلسلة حديدية، وعُرفت بـ”كلة معروف”.
“الكلة” اختفت لاحقاً، ويقال إنها سُرقت، لكن الحكاية بقيت، تتناقلها الألسن، إنها تعود إلى الشيخ معروف بن جمر، الذي يُروى أنه كان فدائياً قاتل الفرنجة، ودُفن على بعد 700 متر في المدرسة الشاذبختية، في سوق الزرب.
بمجرد أن تخطو خارج ظل الباب، يبدأ صوت السوق، الممر الحجري الضيق يتّسع تدريجياً، ويقودك نحو واحد من أقدم أسواق المدينة “سوق الجلوم”، يتبدل الإيقاع، وتبدأ رحلة ثانية، في قلب حي يُعرف بتجارته وخاناته المتشابكة.
يمتد السوق بين باب أنطاكية وكنيسة الشيباني، وتنتشر المحال على طرفيه كما لو كانت تمدّ يديها للمارين.
وفي منتصفه تقريباً، ينعطف الزائر إلى أزقة فرعية تؤدي إلى خانات قديمة، بعضها ما زال مأهولاً، وبعضها الآخر أغلق أبوابه منذ زمن.
حي الجلوم، الذي يحتضن السوق، ينقسم إلى قسمين: الجلوم الكبرى والجلوم الصغرى، وبين الحجرين، تنساب تفاصيل كثيرة سبلان ماء كانت توفّر الشرب والتوضؤ، حمامات قديمة لم تعد تعمل لكنها تحتفظ بهيكلها الحجري، ومساجد صغيرة تتوسط البيوت، كأنها صُممت ليصلي فيها المارة قبل العودة لأعمالهم.
تصوير- صهيب عمراية