الموازنات العامة الماضية .. إهمال الاستثماري على حساب الجاري تخلف بالبنى التحتية وانهيار اقتصادي وفقر

الثورة – ميساء العلي:

رقم الإنفاق الاستثماري ضمن الموازنة العامة للدولة- وللأسف- كان خجولاً، وعلى مدى 14 عاماً، لا يعتمد على مبدأ الكفاءة الإنتاجية، وكل ما فعله زيادة قيمة الواردات على حساب قيمة الصادرات، وكان تقليص قيمة هذا الإنفاق واضحاً في الموازنات رغم إعادة النظر به في موازنة العام الحالي بدون توضيح، من أين ستخصص تلك الأرقام وأين ستصرف وإلى أي المشروعات ستتوجه؟

إصلاح الهيكل المالي للموازنة

وزير المالية السابق، والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق قال في حديثه لـ”الثورة”: إذا قمنا بتحليل الموازنات العامة للدولة خلال الفترات الماضية كان هناك توجه نحو الشق الجاري على حساب الاستثماري كون الإنفاق الجاري مرتبطاً بالاحتياجات اليومية، وإهمال الانفاق الاستثماري المتعلق بتعزيز القدرة الإنتاجية للبلد وزيادة رأس المال الموجود خاصة أن آثاره ممتدة لسنوات طويلة.

وأضاف: لابد من إصلاح الهيكل المالي للموازنة العامة للدولة، مشيراً إلى أنه في مشروع موازنة العام 2025 زاد الإنفاق الاستثماري من 20 بالمئة إلى 30 بالمئة للذهاب نحو مشاريع مهمة أساسية لها علاقة بالكهرباء والطاقة.

اليوم- ما يدعو للتفاؤل أن وزارة المالية شبه انتهت من إعداد الموازنة التكميلية للعام الحالي، وسيتم إصدارها قريباً وفي حال تضمنت نسباً مرتفعة للإنفاق الاستثماري، الأمر الذي سيكرس ارتفاع الشق الاستثماري للموازنات القادمة.

وقال: عادة نرفق نسب الإنفاق الاستثماري بالناتج المحلي الإجمالي، وهذا له معنى اقتصادي، مشيراً إلى أنه لابد من التحديد الدقيق لاحتياجات الإنفاق الاستثماري من قبل المؤسسات والجهات العامة ودائماً لدينا مشكلة اقتصادية احتياجات غير محدودة وموارد محدودة، مضيفاً: لابد أن تكون الكفاءة بالتخطيط الاقتصادي معتمدة على المشاريع الأكثر جدوى وذات أولوية.

وتابع كلامه بالقول: في السنوات الماضية تم إهمال الإنفاق الاستثماري والذهاب نحو الإنفاق الجاري، فأصبح لدينا خلل هيكلي بالموازنة العامة للدولة، ولاسيما في سنوات الوفرة من عام 2000 للعام 2009، لكن للأسف سياستنا المالية كانت بعكس الدورات الاقتصادية لأنه كان من المفترض في سنوات الازدهار والنمو والرخاء اتباع سياسة مالية نُحسن من خلالها الضرائب لتأمين إيرادات في حين عندما يكون عندنا دورة اقتصادية منخفضة، هنا يجب اتباع سياسة مالية توسعية تعتمد على زيادة الإنفاق وتخفيف الضرائب.

زيادة الإنفاق الاستثماري

عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور علي كنعان، قال: يعد الاستثمار من أهم المتغيرات الاقتصادية الكلية لأنه يساهم في زيادة معدل النمو الاقتصادي وتشغيل العمالة الفائضة والحد من تطور البطالة ويؤدي لزيادة الإنتاج وتأمين السلع للمواطنين وتحسين مستوى الدخل.

وأضاف كنعان: تسعى جميع حكومات الدول إلى زيادة حجم الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة لكن كل الدول المتقدمة والتي قطعت شوطاً كبيراً لم تستطع زيادة حجم استثماراتها بسبب أنها استكملت مشاريع بناء البنية التحتية في الاقتصاد، وبالتالي أصبحت تستثمر إما في التقانات الحديثة أو بأنظمة المعلوماتية أو بالرفاهية للمواطنين، بينما في الدول النامية لم تصل إلى هذه المرحلة وما زالت بحاجة إلى استكمال مشاريع البنية التحتية، لذلك عليها أن ترصد مبالغ كبيرة في موازناتها للاستثمار إلى درجة قد يتعادل فيها الإنفاق الاستثماري مع الإنفاق الجاري، لكن إذا كانت دول تريد أن تُسرع في النمو يجب أن يكون حجم الإنفاق الاستثماري ما بين 60 إلى 70 بالمئة والجاري ما بين 25 إلى 30 بالمئة.

ويتابع كلامه بالقول: إنه في سوريا خلال الفترة التي سبقت الثورة أي من عام 2000 إلى 2010لم تكن الحكومة تنفذ الموازنات الاستثمارية بسبب العوائق التي تقف في وجه الاستثمار من جهة، وبسبب الفساد وتدهور البيئة الاستثمارية من جهة أخرى وكل ما كانت تفعله الحكومات آنذاك تدخر مبالغ ولا تطور البنية التحتية أو حتى التطوير بمشاريع القطاع العام.

وكانت ترغب أن تنتقل إلى انفتاح عالمي والدخول بالاقتصاد العالمي، وهذا الأمر يتطلب دخول استثمارات أجنبية كبيرة من الخارج وأن تعهد الحكومة مشاريع البنية التحتية للقطاع الخاص بمعنى تحولها للقطاع الخاص و بالتالي لا داعي لأن تنفق عليها، إلا أن هذه التوجهات فشلت بسبب تراجع حجم الاستثمار وزيادة معدل البطالة.

مجرد مفردة

الدكتور كنعان يرى أنه ومنذ قيام الثورة عام2011 قامت الحكومة بخفض الإنفاق الحكومي الاستثماري وكانت تضعه كمفردة في الموازنة ولا تقوم بإنجازه على الصعيد العملي.

فالدولة لم تؤمن بالاستثمار الحكومي وكانت تركز على الاستثمار الخاص وخلال تلك الفترة مرت بضائقة مالية كبيرة لذلك كانت تركز على الإنفاق الجاري الذي ساهم إلى حد ما باستمرار دوائر الدولة في تقديم أدنى الخدمات.

وبحسب كنعان- كان يجب على الدولة لو كانت تفكر بالطريق الصحيح أن تزيد حجم الاستثمار طالما أنها أمنت مبالغ للإنفاق الجاري فهي قادرة على تأمين مبالغ الإنفاق الاستثماري، ولو فعلت ذلك ربما كانت قد حسنت في البيئة الاقتصادية ومستوى الدخول وزيادة الإنتاج، لكنها منذ العام 2019 أصبحت تضرب على القطاع الخاص وتجني مبالغ مالية كبيرة تريد إنفاقها على تمويل الإنفاق الجاري، لكن ما ظهر تجميد تلك المبالغ وذهاب جزء من تلك الأموال إلى جيوب الفاسدين ما أدى إلى تفاقم الأوضاع يوماً بعد يوم وانهيار سعر الصرف بشكل تدريجي.

رقم خجول

من جهته يقول الخبير المصرفي والمالي الدكتور علي محمد: إن رقم الإنفاق الاستثماري في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي كان خجولاً، مقابل رفع بند الإنفاق الجاري.

ويعود إلى موازنة العام 2022 و2023 ليقول: إن هناك غلبة للإنفاق الجاري على الاستثماري، إذ بلغت 18بالمئة فقط وهي نسبة متدنية.

وأضاف: إن هناك ضرورة للمرحلة القادمة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في موازنة العام القادم، وهي زيادة الإنفاق الاستثماري لتحقيق نمو ونهضة اقتصادية.

ويتابع كلامه بالقول: إن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الحالة الاقتصادية الراهنة هو إصرار الحكومات السابقة المتعاقبة على تقليص حجم الإنفاق الاستثماري والمبالغة في ضغط الإنفاق الجاري، ما أدى إلى تراجع كبير في الإنفاق العام عموماً، والإنفاق الاستثماري الإنتاجي خصوصاً، فتراجع الإنتاج وكذلك مستوى الخدمات العامة، وأوحى ذلك بعدم ثقة الرساميل الوطنية (المقيمة والمغتربة)، وإحجامها عن الاستثمارات الكبيرة والمؤثرة.

تغيرت الصورة

اليوم يجب أن تتغير الصورة فالحكومة الجديدة تسعى إلى الإصلاح الاقتصادي، وقد نجحت برفع العقوبات المفروضة على سوريا وستأتي استثمارات عربية وأجنبية ومساعدات عربية يمكن أن تحسن جو الاستثمار وأن تصدر تشريعات تسهل عمل المستثمرين، لذلك يجب أن ترصد مبالغ كبيرة في الموازنة القادمة للإنفاق الاستثماري لتمويل مشاريع البنية التحتية.

آخر الأخبار
الفوسفات تحت المجهر… توضيحات تحسم الجدل حول "يارا" تحسين الواقع الخدمي في ريف دمشق جامعة اللاذقية تطلق "وجهتك الأكاديمية" 10 ملايين دولار لتأهيل الطرقات في حلب يمنح الخريجين أملا أوسع إدراج معاهد حلب الصحية تحت " التعليم التقاني" الاستثمار الوطني .. خيار أكثر استدامة من المساعدات الشرع.. رؤية جديدة للعلاقات الدولية منصة إلكترونية.. هل يصبح المواطن شريكاً في مكافحة الفساد؟ بمشاركة سوريا.. اجتماع وزاري تحضيري للقمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة انطلاق ملتقى "وجهتك الأكاديمية" في "ثقافي طرطوس" المنصة الإلكترونية.. تعزيز الرقابة المجتمعية في مكافحة الفساد لجنة بحجم "بلدية".. مشاريع خدمية متواصلة في كشكول "وجهتك الأكاديمية".. في جامعة حلب..مساعدة الطلاب لاختيار تخصصهم الجامعي الجفاف الشديد ينتشر في جميع أنحاء نصف الكرة الشمالي بين 3 و5 ملايين سنوياً.. أجور نقل الطلاب ترهق جيوب الأهالي "الغار الحلبي".. عبق التراث السوري اللجنة العليا تتوقع إجراء الانتخابات قبل نهاية أيلول الحالي تدهور شبكات الري وتكاليف المدخلات تحديات تواجه مزارعي الأتارب إدلب تعيد الحياة لقطاعها الصحي وزير الداخلية: التواصل المستمر مع الفعاليات المجتمعية لتعزيز الثقة