الثورة – رولا عيسى:
تحوّل نوعي تشهده المؤسسة العامة لصناعة وتسويق الإسمنت ومواد البناء “العمران”، إحدى أبرز المؤسسات الصناعية في سوريا، في ظل مرحلة ما بعد سقوط النظام المخلوع، مع وجود التحديات الهيكلية والإدارية والاقتصادية التي تواجهها.
مؤسسة “العمران” بشكلها الحالي، تم تأسيسها من خلال دمج مؤسستين اقتصاديتين كانتا تعدان من أكبر المؤسسات في البلاد، تجد نفسها اليوم في خضم إعادة الهيكلة، ليس فقط على المستوى الإداري، ولكن أيضاً على صعيد تطوير العمليات الإنتاجية، وتدريب الكوادر البشرية، بالإضافة إلى التكيف مع المتغيرات.
يقول مدير عام مؤسسة العمران محمود فضيلة لـ”الثورة”: جرت عملية دمج عشوائي وفوضوي بين مؤسستي صناعة وتوزيع الإسمنت، وهو ما أسفر عن تأسيس الشركة الجديدة التي تم دمجها بشكل غير مدروس، من دون وضع معايير واضحة لتحقيق التكامل بين المؤسسات أو تحسين الأداء.
ويضيف: كانت هذه الخطوة تهدف في الأساس إلى تحويل الكيانات الاقتصادية إلى شركات قابلة للتخصيص وبيعها للموالين للنظام المخلوع، إذ تم تسليم العديد من المعامل إلى جهات على تماس مباشر من النظام البائد.
ولفت إلى أنه، كانت النتيجة المنطقية لهذه الخطوة هي الفساد الإداري والاقتصادي، ما أدى إلى تدمير القدرة الإنتاجية للمؤسسة، وإهدار الموارد المالية والبشرية، فقد ساد الجهل وسوء الإدارة في مختلف القطاعات.
تحديات مرحلية
ويبين أنه بعد فترة من الزمن، واجهت مؤسسة “العمران” العديد من التحديات نتيجة للدمج الفوضوي، إذ افتقرت إلى بنية هيكلية إدارية سليمة، بالإضافة إلى غياب تام في تحديد المهام وتدريب الكوادر، كما كانت المؤسسة تفتقر إلى الرقابة المالية الفعالة، ما جعل من إدارة الأموال أمراً بالغ الصعوبة.
وينوه بأنه نتيجة لهذا، بدأ القطاع يعاني من نقص في الكوادر المدربة على التعامل مع التقنيات الحديثة لصناعة الإسمنت، بما في ذلك الصناعات الاستراتيجية مثل الإسمنت النووي.
وعلى الرغم من ذلك، والكلام لفضيلة، بدأ فريق العمل في مؤسسة عمران العمل الجاد لإعادة بناء الأسس والتوجهات، ووضع خطط واضحة للتطوير.
ويتابع: كانت البداية بتخفيض التكاليف الإنتاجية من خلال تقليل المصاريف العامة، مثل تقليص استهلاك مواد المحروقات، بالإضافة إلى قفل بعض المعامل جزئياً للحد من الخسائر، ومع الوقت، بدأ الفريق بتنفيذ تجارب جديدة لطحن مواد مستوردة بغرض إنتاج أصناف جديدة من الإسمنت تكون قادرة على منافسة الأصناف المتوفرة في السوق.
تأهيل الكوادر
ويؤكد فضيلة أن إعادة تأهيل الكوادر البشرية أحد أولويات المرحلة الحالية في مؤسسة العمران. فالموظفون العاملون في المؤسسة في الغالب من ذوي الأعمار المتقدمة، وعلى حد قوله يصل متوسط الأعمار إلى الخمسين عاماً، ما يعني الحاجة إلى دمج فئة الشباب في العمل لتطوير الصناعات بشكل مستدام.
ولتحقيق ذلك، يقول: أبرمت مؤسسة عمران عقوداً مع شركات سعودية وإماراتية مختصة بتطوير الكوادر البشرية وتدريبهم على أحدث الأساليب والتقنيات في صناعة الإسمنت.
ويضيف: تعمل المؤسسة على استيعاب العمال المفصولين خلال فترة النظام المخلوع، في خطوة تهدف إلى استعادة الكفاءات القديمة وتدريبها بما يتماشى مع التطورات الحديثة.
وينوه بأن استقطاب الكفاءات الجديدة من الشباب وتأهيلهم للانضمام إلى هذا القطاع الاستراتيجي، يعد أحد أهم محاور تطوير الصناعة في المرحلة القادمة.
ويؤكد أن مؤسسة العمران تتطلع إلى تعزيز قدرتها الإنتاجية من خلال تطوير المعامل والآلات القديمة، التي تعاني من تآكل شديد بفعل الاستخدام الطويل، وتصل الطاقة الإنتاجية للمؤسسة إلى 3500 طن يومياً، إلا أن المؤسسة تواجه تحديات كبيرة من حيث صعوبة الحفاظ على هذه المعدلات وسط المنافسة الشديدة من الشركات الأخرى. ولهذا، والكلام لفضيلة تسعى المؤسسة إلى تحقيق التوازن بين عمليات التشغيل والتقليل من الخسائر، بحيث لا يكون الهدف مجرد التشغيل، بل تحقيق ربح حقيقي يعزز من مكانة المؤسسة في السوق المحلي والعالمي.
التزام بالاستدامة
ويشير إلى أنه لا تقتصر جهود مؤسسة عمران على تحسين العمليات الإنتاجية فقط، بل تشمل أيضاً تعزيز التزامها بالبيئة، فصناعة الإسمنت تُعتبر من الصناعات الملوثة التي تؤثر بشكل كبير على البيئة المحيطة، لذا تسعى المؤسسة لتطوير بنية تحتية تهدف إلى تقليل الانبعاثات الغازية والغبارية.
وبين أنه تعمل المؤسسة حالياً على تجهيز فلاتر متطورة للمصانع، إضافة إلى قياس درجة التلوث البيئي بشكل دوري، والتأكد من الالتزام بكافة المعايير البيئية المحددة من قبل الحكومة، ويتطرق إلى أن الهدف هو تحسين عملية الإنتاج بما يتناسب مع المعايير البيئية الحديثة، وبناء كوادر متخصصة في مراقبة وضبط التلوث الناجم عن الصناعة، وبذلك تسعى مؤسسة عمران إلى أن تكون نموذجاً يحتذى به في صناعة صديقة للبيئة في المستقبل.
ويختم بالقول: من أبرز القضايا التي تواجهها مؤسسة عمران اليوم هي تحسين ظروف العمل وحماية صحة العاملين، خاصة في ظل المخاطر الصحية المرتبطة بصناعة الإسمنت، مثل الأمراض المزمنة والسرطانية.
ويلفت إلى تعرض العديد من العمال في الماضي لأضرار صحية جراء الإهمال في السلامة المهنية وعدم مراعاة التدابير البيئية، لذا تعمل المؤسسة حالياً على تحديث الأنظمة الصحية والاجتماعية، وتحسين الأجور، بالإضافة إلى توفير التأمينات الصحية والضمانات الاجتماعية للعاملين.