الثورة – رنا بدري سلوم:
لا تتحقق المواطنة إلا إذا أصبحت مبادئها جزءاً من وعي الناس، حكاماً وشعوباً، متربعين على عرش الحكم، ومؤيدين لهم أو معارضين، فالمواطنة ليست مجرد مجموعة من المبادئ الدستورية الملزمة، ولا مجرد قوانين تصدر ويوكل أمر تنفيذها إلى جهات حكومية مختصة، فهي إضافة إلى ذلك كله قناعات وسلوك وممارسة، كما أنها علاقات بين أبناء المجتمع حين يكونون مواطنين، أي حين يتجاوزون في التعامل- كونهم جماعات أو مكونات متنوعة- الانتماءات السياسية والدينية والإثنية والطبقية وغيرها، وواضح أن ذلك كله مرهون بالوعي في صورتيه الفرديّة والجمعيّة، فالفرد غير المنتمي لحركة سياسيّة وغير المكترث لانتماء فئوي موروث يمكن أن يكون مدركاً مبادئ المواطنة وما تستوجبه من حقوق وواجبات.
إن معنى المواطنة مرتبط بالوعي وثقافة الشباب، وتحرر المرأة وبمفهوم الثقافة الوطنية، فالمواطنة عدل وتخلص من الاستبداد لا بل إنها حريّة فكرية.. ولعل الراحل خالد محمد خالد هو صاحب أول كتاب عربي خاص بموضوع المواطنة، أنموذج للمثقف الحر، الذي عدّ الحريّة ضرورة ثقافيّة، ورفض كل ما يقيد الثقافة بحجة حماية المجتمع، وله في ذلك أقوال صريحة لا لبس فيها، فلقد عالج مشكلة حريّة الفكر والثقافة في عدد من كتبه، وبخاصة كتابه ” إنه الإنسان” الذي تضمن فصلاً خاصاً بحرية الفكر والثقافة عنوانه: (الإنسان سيّد فكره)، ولعل العبارات التالية تؤكد ذلك، “ولندع الثقافة حرّة طليقة إلا من الضوابط التي تضعها هي لنفسها”.. “كلما جعلنا نحن البشر ثقافة بلا حدود واستمسكنا بهذا الشعار، ازداد نفوذنا في الحياة”.
فليس للفكر سوى حالة واحدة يتأكد فيها وجوده تلك هي حالة التحرر المطلق من شتى القيود أي ليس ثمة فكر حر وفكر غير حر هناك فكرٌ أو لا فكر، ويقول في الالتزام نقيض المعرفة، فالالتزام توقف وجمود بينما المعرفة تطلع وانتقال وكشف حركة مستمرة.
ولنرحب بكل ثقافة تثير الذعر في نفوسنا، لأنها دليل على أن بهذه النفوس خوفاً مذلاً يجب أن يرحل، وبكل ثقافة تثير الشك في أنفسنا لأنها توقظ إرادة اليقين لدينا وتزويدها بالبصيرة والفهم.
لقد كان فصل “وعي المواطنة ومفهوم الثقافة الوطنية” من الفصول السبعة لكتاب “في قضية المواطنة” للكاتب عطية مسوح، إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب، يحكي كيف أن الكاتب أو الفنان هو من يحدد ما يلتزمه، وهذا ما جعل خالد الخالد يكرّس كتبه في قضية حرية الإنسان والديمقراطية السياسية والعدالة الاجتماعية والتمرد على قيود التقاليد البالية، ورفض الموقف السلبي من الثقافة العالمية، فقد كان لمثل هذا التوجه الثقافي أن يسهم أكبر إسهام في تنامي وعي المواطنة ونشر مبادئها على نطاق واسع، وتحويلها مكوناً هاماً من مكونات الثقافة العامة، لو كان القائمون على الإعلام والتربية والثقافة والنشر في العالم العربي استضاؤوا به، ولو أن القائمين على الرقابة على الكلمة انطلقوا من أهمية حريّة الفكر في النمو الثقافي ونهوض المجتمع لكن الأمر لم يكن كذلك في معظم الأحيان.