الثورة – هنادة سمير:
في ظل التحديات التي يواجهها قطاع التعليم في سوريا، ولاسيما في مرحلة الطفولة المبكرة، تطرح مبادرات فردية تسعى لإحداث تغيير جذري من خلال تبنّي مقاربات حديثة، تضع الطفل في قلب العملية التعليمية وتعيد تشكيل بيئته المدرسية على أسس علمية متطورة.
عبر منصة “مبادرة” التي تحتضن أكثر من 250 مبادرة تطوعية للمساهمة في بناء سوريا الحديثة بجهود أبنائها، أطلقت الخبيرة التربوية هدية وانلي المقيمة حالياً في السويد، مبادرة تعليمية تستهدف تطوير منظومة التعليم المبكر في سوريا، مستندةً إلى تجارب دولية ناجحة، أبرزها نموذج “ريجيو إميليا” الإيطالي، والذي ينظر إلى الطفل باعتباره فاعلاً أساسياً في العملية التعليمية، لا مجرد متلقٍ للمعلومة.
تؤكد وانلي في حديثها لـ “الثورة” أن السنوات الأولى من حياة الطفل تشكل الأساس الأهم لمستقبله، ومن هنا تنبع أهمية الاستثمار في التعليم المبكر. وتضيف: “انطلقتُ من قناعتي أن الطفل السوري يستحق تعليماً يحرّر قدراته، ويبتعد عن الأساليب التقليدية التي تعتمد على التلقين والحفظ، لصالح تعليم تفاعلي يحفّز التفكير والإبداع”.
أهداف متعددة
تشمل أهداف المبادرة- كما تعرضها وانلي، تطوير أساليب التدريس عبر اعتماد استراتيجيات تعليمية معاصرة تنمّي التفكير النقدي والقدرة على التحليل، إلى جانب تحسين جودة تدريس مادتي اللغة والرياضيات من خلال أدوات وتقنيات تفاعلية، كما تسعى المبادرة إلى تأسيس حضانات ورياض أطفال نموذجية مستوحاة من التجربة الإيطالية في التعليم المبكر، مع التركيز على خلق بيئة تعليمية غنية ومحفّزة تدعم النمو الذهني والاجتماعي للطفل.
من جانب آخر، تهدف المبادرة إلى تعزيز التعليم متعدد اللغات، إذ تدعم تدريس اللغتين العربية والسويدية بما يسهم في توسيع المدارك الثقافية واللغوية للأطفال، ويعدّهم للتفاعل مع بيئات متعددة.
واقع التعليم وتحدياته
وتبين الخبيرة التربوية أن منظومة التعليم في سوريا تواجه منذ سنوات طويلة تحديات متراكمة، كان أبرزها اعتماد المناهج على الحفظ والتلقين، وتغليب الطابع النظري على الجانب العملي والتطبيقي، هذا النمط التقليدي حال دون تنمية مهارات التفكير المستقل، وأعاق بناء ثقافة تعليمية قائمة على النقاش والحوار واحترام الرأي الآخر، وهي مبادئ أساسية لتنشئة جيل قادر على المشاركة المجتمعية الفعالة وترسيخ مفاهيم الديمقراطية، مضيفة: كذلك يحمل النظام التعليمي أعباء معنوية ومادية كبيرة على كل من الطلاب أو الأهالي، فقد كان موسم العودة إلى المدارس يشكل عبئاً مالياً سنوياً بسبب كثرة المتطلبات المدرسية، ومن ناحية أخرى تشكل فترات الامتحانات مصدراً رئيسياً للضغوط النفسية، ما انعكس سلباً على أداء الطلاب وأثر على العلاقة بين المدرسة والبيت.
مقترحات
لتحسين واقع التعليم وتخفيف الأعباء المرتبطة به، تقترح وانلي من خلال مبادرتها اعتماد منظومة تعليمية أكثر حداثة ومرونة، تشمل إلغاء قانون الرسوب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، واستبداله بنظام تقييم حديث يدعم التعلم المستمر ويبتعد عن العقوبات التقليدية، إضافة الى تطوير آليات الامتحانات لتقليل التوتر النفسي على الطلاب والمعلمين، عبر اعتماد تقييمات مرحلية تشمل المشاريع، الأنشطة التفاعلية، والتقويم المستمر، كما تتضمن إنشاء بيئة تعليمية محفزة تُشجع على الإبداع والمشاركة، وتعتمد أساليب تدريس حديثة تسهم في بناء مهارات الطفل العقلية والاجتماعية، وأخيراً الحد من ظاهرة التسرب المدرسي وعمل الأطفال، من خلال توفير تعليم مجاني وإلزامي حتى نهاية المرحلة الإعدادية، وضمان وصول جميع الأطفال إلى المدارس.
آليات تنفيذ
تقوم المبادرة على عدة محاور تنفيذية، أبرزها حسب الخبيرة وانلي تدريب الكوادر التربوية على أساليب التدريس الحديثة، وتنظيم ورش عمل متخصصة في تعليم الرياضيات واللغة بأساليب مبسطة وتفاعلية. كما تتضمن تطوير مناهج قائمة على الأنشطة العملية والتفكير التفاعلي، إضافة إلى دمج التكنولوجيا في التعليم لتحسين استيعاب المفاهيم الأساسية، والعمل على إنشاء رياض أطفال متكاملة تتناسب مع احتياجات الأطفال التنموية.
وتؤكد وانلي على أن المبادرة تمثل خطوة نحو تحسين نوعية التعليم في سوريا، مشيرةً إلى أنها لا يمكن أن تنجح من دون شراكات فعلية مع الجهات المعنية، داعية المؤسسات التعليمية والمعلمين والمنظمات الدولية إلى دعم هذه المبادرة، سواء من خلال التمويل أو تبادل الخبرات أو تقديم الدعم الفني، بهدف ضمان تحقيق أهدافها.