الدراما والدم.. حدود الوجدان السوري في تمثيل العنف

الثورة – حسين روماني:
ليست كل جريمة قابلة للتمثيل، وليست كل ذاكرة جاهزة لتُروى.. وفي سوريا التي تتعافى، نحن بحاجة لدراما تمسك يد المتلقي لا تزرع الخوف في صدره، فالفن الذي يُحترم هو ذاك الذي يُراعي نبض جمهوره، ويحمل الألم بمسؤولية، لا بمشاهد مستعادة من دمٍ لم يجف، هناك فرق كبير بين “تمثيل الجريمة” و”التعاطي مع جرح الجماعة”، ونحن بحاجة إلى الدراما التي ترمّم وتمضي صوب بناء واقع ثقافي أكثر نضجاً وأملاً.

لا تزال الأحداث المؤلمة التي مرّت بها سوريا خلال سنوات الحرب تفرض نفسها على وجداننا، ليس فقط في الحياة اليومية، بل حتى في الفن، وعلى الرغم من تعافي المشهد السوري في كثير من القطاعات، إلا أن بعض المواضيع ما زالت تُقابل بحذر نفسي واجتماعي، ليست المأساة في الواقع فقط، بل في صداها حين يُعاد تمثيلها على الشاشة.

السوريون الذين اكتووا بنار الحرب والدّم، لا يتقبلون بسهولة تجسيد الجرائم الإرهابية، ولاسيما تلك التي تمس أماكنهم المقدسة أو أحياءهم الشعبية، حادثة التفجير الأخيرة في كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة في دمشق، أعادت فتح هذا الجرح، وطرحت سؤالاً جديداً قديماً: لماذا لم نعد نحتمل رؤية العنف حتى في الدراما؟.

من “عناية مشددة” إلى “شوق”

في مشهد المستشفى بمسلسل عناية مشددة، تُقدَّم لحظة ما بعد تفجير إرهابي بكثافة تصويريّة عالية ” أجساد، دماء، صراخ، فوضى”، المشهد لم يكن سيئ التنفيذ، بل شديد الواقعية، وهنا تكمن المعضلة، الجمهور لم يرفض المضمون، بل قوة حضوره.

بدا المشهد وكأنه يعيد شظايا الواقع لا ليوثّقها فنياً، بل ليبعثها حيّة في وجدان من لم ينسَ بعد، ولم ينس الجمهور أيضاً مشهد تفجير يُعدّ مشهد المستشفى بعد التفجير في عناية مشددة نموذجاً درامياً يعيد شظايا المشهد الحقيقي إلى الشاشة.

دقة الرسم السينمائي للصدمات ووجع الجرحى وضوضاء المستشفى كانت أكثر مما يحتمل جمهوراً يحمل ذاكرة حيّة للنار والدم، ليس رفض الواقعية بل رفض إيقاظ مخزون الألم الجماعي الذي ما زال حيّاً، وفي “شوق” كان الانفجار الذي أصاب سكان المدينة بالذعر أثناء إعداده وتنفيذه على أرض الواقع نهاية للعمل، وكأنه قدر يمسك أطراف المجتمع بالعنف كخلفية نفسية واجتماعية.

دراما تتقاطع مع الرعب السياسيتناولت أعمال أخرى، مثل “على صفيح ساخن”، “مع وقف التنفيذ” و”كسر عضم”، وجوهاً مختلفة للعنف كاغتيالات، التفجيرات والكمائن، وانهيارات مجتمعية، أبرزها تلك التي يمضي فيها الولد لتفجير محل أبيه بعد غسل دماغه بالأفكار المتطرفة، والفساد الذي ينهش بجسم المجتمع والطبقة الحاكمة تحت ذريعة الغاية تبرر الوسيلة.

في” دقيقة صمت” تجسّد العنف كمناخ اجتماعي- سياسي وليس فقط كحدث درامي، إلا أن هذه الأعمال، رغم نجاحها الفني، أثارت تساؤلات حول متى يتحوّل التوثيق إلى تكرار للأذى، خصوصاً حين تكون الذاكرة الجمعية لم تتعاف بعد، أما “ابتسم أيها الجنرال” فقدّم شكلاً مختلفاً من العنف، عنف السلطة والفساد والتصدّع الأخلاقي في مراكز القرار، لم يعتمد العمل على التفجيرات أو الدم فقط، بل قدّم عنفاً نفسياً وسياسياً عالي النبرة، لا يقل تأثيراً عن العنف المادي، فالحوار الحاد، والعلاقات المسمومة بين أفراد السلطة، والانهيار القيمي المتسلسل، مثّلت جميعها مرآة للوجدان السوري، وأثارت جدلاً كبيراً حول حدود الدراما السياسية.

لا يرفض المشاهد السوري الحقيقة بل شكل عرضها، تمثيل العنف بصرياً يتطلب حساسية عالية، فكل لقطة تحمل احتمال استدعاء وجع لا فقط معلومة، وحين يُعرض تفجير على الشاشة، يتحوّل الفن من “حكاية” إلى “تذكير مرير” بما فُقد، لذلك، يظهر رفض الجمهور ليس كعداء للفن، بل كصرخة تطالب بالرحمة من فائض التوثيق.

ملامح الخطاب الفني في ظل سياسة الدولة الهادفة إلى ترميم البنية النفسية والاجتماعية، تظهر الحاجة الماسّة لصياغة درامية جديدة لا تُنكِر الماضي، ولكن لا تصادمه بصرياً، المطلوب ليس كتمان ما حدث، بل تقديمه بلغة ناضجة، متعاطفة، تحترم ذاكرة المواطن من دون أن تستغلّها، هنا يصبح الفن شريكاً في ترميم ما خرّبته الحرب، لا في فتح جراحها من جديد، الدراما السورية تمتلك من الأدوات الفنية والطاقات البشرية ما يُمكّنها من تقديم سرديات عظيمة، من دون الحاجة إلى الصدمة البصرية، الإضاءة الرمزية، المعالجة النفسية، أو التلميحات غير المباشرة، كلها أساليب أعمق في التأثير من الانفجارات المتلفزة، ونحن لا نحتاج اليوم دراما تمثل الرعب كما حدث، بل دراما تفتح مساحة للوعي والتأمل والمصالحة.

آخر الأخبار
إخماد حريق بمستودع غاز في حي العريض بطرطوس  الشرع يتلقى اتصالاً من نظيره اللبناني للتعزية بضحايا الهجوم الإرهابي بدمشق الداخلية: الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير الكنيسة تتبع لـ"داعش" والقبض على  أفرادها "الإسكان" وتوجه جديد.. التخطيط سابق للتنفيذ صناعيو السيراميك يواجهون مشكلة إغراق السوق بالمستوردات والمهربات افتتاح ثلاثة مراكز غداً..  عودة المؤسسة السورية للبريد إلى إدلب بعد انقطاع عشر سنوات    إطلاق مؤتمر "كارلتون" في إدلب.. انطلاقة استثمارية جديدة في المدينة محافظ إدلب يزور قرى ريف معرة النعمان الشرقي لتفقد أوضاعها بحضور شعبي واسع.. تشييع جثامين ضحايا التفجير الإرهابي بدمشق وزير الأوقاف يزور مصابي تفجير كنيسة مار إلياس في " إكسبو" وبعد الغياب.. شركات الشمال .. الحضور القوي والعلامة الفارقة طلاب السويداء ينهون امتحان الاجتماعيات في أجواء هادئة تلقيح 60 طفلاً في الريف الشرقي بحمص جنود إسرائيليون يعتدون على منظومات الطاقة في بلدة جملة دعم المشاريع الاستثمارية بدرعا مع مجموعة بعلبكي للإعمار والاستثمار إزالة تعديات على خطوط مياه الشرب في إنخل تحديات أمام مجلس الشعب القادم.. خبير قانوني لـ"الثورة": دور فاعل في مساءلة الحكومة كي لا يتحول لشرعي... انطلاق عمليات تصحيح الأوراق الامتحانية للتعليم الأساسي بحلب دمج المجالس المحلية في مناطق الشمال ضمن محافظة حلب التوغل العسكري الإسرائيلي يتصاعد في جنوب سوريا