الثورة منهل إبراهيم:
هل كان يراوغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند إبلاغ المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك بأنه مهتم بالتفاوض مع الحكومة السورية بوساطة الولايات المتحدة الأميركية، بحسب ما نقل موقع “أكسيوس” الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين، وذلك بهدف التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات، بدءاً باتفاقية أمنية محدثة تستند إلى اتفاقية فض الاشتباك بين القوات لعام 1974، مع بعض التعديلات، وانتهاء باتفاقية سلام، فالواقع على الأرض والانتهاكات المستمرة للأراضي السورية يشي بعكس هذه التصريحات.
فقد أظهرت صور حديثة للأقمار الصناعية أن إسرائيل قامت ببناء نحو 10 نقاط جديدة في المنطقة العازلة مع سوريا، في أعقاب توغلها في المزيد من الأراضي السورية منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويعكس بناء التحصينات والنقاط في المنطقة العازلة عدم نية حكومة الاحتلال الإسرائيلية الانسحاب من المناطق التي توغل فيها الجيش الإسرائيلي في الجنوب السوري؛ الأمر الذي يشكل اعتداء صارخاً على السيادة السورية، وانتهاكاً لكل المواثيق الدولية، وفي مقدّمتها اتفاقية فض الاشتباك الموقعة في العام 1974.
وكانت حكومة الاحتلال زعمت في وقت سابق أن وجودها في المنطقة العازلة يستهدف حماية السكان في شمال الأراضي المحتلة لفترة مؤقتة، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أكد أكثر من مرة أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في المنطقة العازلة إلى أجل غير مسمّى.
ومنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بانتهاكات لمناطق واسعة في الجنوب السوري، تجاوزت مساحتها حتى الآن 665 كيلومتراً، الأمر الذي دفع عدداً من السكان إلى النزوح إلى مناطق أكثر أمناً في الداخل السوري.
وعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد انتهاك مساحات واسعة من الأراضي السورية، على تحصين عدة أماكن بقواعد مراقبة عسكرية تجاوز عددها 15 قاعدة.
وتنفذ دوريات جيش الاحتلال اقتحامات يومية لبلدات في الجنوب السوري، ومن ضمنها القنيطرة، وتجري عمليات تفتيش وسط السكان، وعادة ما يعقبها اعتقال بعض السوريين تحت ذرائع وحجج مختلفة واهية.
وبرغم الحديث عن المفاوضات غير المباشرة التي تجري بين الجانبين السوري والإسرائيلي، فإن ما يجري على الأرض يشي بأن إسرائيل غير معنية بالخروج من المناطق التي دخلتها عقب سقوط نظام بشار الأسد.
وتأتي هذه الانتهاكات والتوغلات بالتزامن مع قرب تصويت مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين المقبل 30 حزيران/ يونيو، على مشروع قرار تجديد ولاية “الأندوف”بعثة الأمم المتحدة لمراقبة اتفاق فض الاشتباك في الجولان بين سوريا وإسرائيل.
وتتصاعد التكهنات حول عدم التجديد لقوات “الأندوف” بعد توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي في مساحات واسعة من الأراضي في الجنوب السوري، ومن ضمنها المواقع التي كانت ترابط فيها البعثة الدولية لمراقبة فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل منذ العام 1974.
وفي وقت سابق قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، إن وجود القوات الإسرائيلية داخل المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا يشكل خرقاً صريحاً لاتفاق فض الاشتباك الموقّع عام 1974، مؤكداً أن القوة الأممية “أوندوف” هي الجهة الوحيدة المخولة بالتواجد العسكري في تلك المنطقة، بموجب الاتفاق.
ولفت لاكروا إلى أن دمشق أبدت التزاماً واضحاً بحماية أفراد البعثة وتوفير البيئة الآمنة لعملهم، التزاماً منها بأحكام اتفاق عام 1974، مؤكداً أن الهدف الأساسي يبقى التطبيق الكامل لبنود الاتفاق بين الطرفين بما يضمن الاستقرار ويحول دون خرق التوازن القائم.
وكان السيد الرئيس أحمد الشرع قال خلال لقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار الماضي في باريس، إن هناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لـ”تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة”.
وسبق وأكد وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، خلال خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، أواخر نيسان الماضي، أن “سوريا الجديدة لن تكون مصدراً لعدم الاستقرار لأي طرف في المنطقة، ومن ضمن ذلك إسرائيل”، مشيراً إلى أن “الاعتداءات العسكرية المتكررة على الأراضي السورية تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي”.
كما دعا المبعوث الأميركي إلى سوريا توماس باراك لدى وصوله إلى دمشق نهاية الشهر الماضي إلى حوار بين سوريا وإسرائيل، على أن يبدأ ذلك باتفاق “عدم اعتداء” بين الطرفين.