الثورة – نور جوخدار:
عقودٌ طويلة كانت خلالها المنظمات والجمعيات الأهلية في سوريا أداة تجميلية في يد النظام المخلوع، إما خاضعة لرقابته، أو مسيّرة لأجنداته، اليوم ومع سقوط منظومة الاستبداد، تجد وزارة الشؤون الاجتماعية نفسها أمام امتحان بالغ الصعوبة يتمثل في معالجة أوضاع مئات الجمعيات غير المؤهلة للعمل الميداني، ومواجهة احتياجات مجتمعية إنسانية هائلة في مختلف المناطق ولاسيما المنكوبة والمهمشة.
في تصريح خاص لصحيفة الثورة أوضحت مدير مكتب الجمعيات الخيرية غير الحكومية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رولا الأغبر، أن واقع المنظمات والجمعيات الأهلية في سوريا اليوم شهد تحسناً ملحوظاً مقارنةً بما كان في حقبة النظام المخلوع، مضيفة: إن الفرص انفتحت اليوم أمام المنظمات غير الحكومية لتبادل الخبرات، مما عزز الشراكة ورفع مستوى الأداء، والأهم من ذلك، هو التحرر من التدخل الأمني الذي كان يعوق عمل المنظمات.
قانون عصري جديد
وعن أبرز العوائق القانونية والإدارية، وكيف تعمل الوزارة على معالجتها كشفت الأغبر أن الوزارة تعمل على مناقشة مشروع قانون جديد للجمعيات عبر جلسات حوارية تشاركية مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، بهدف الوصول إلى قانون عصري يتماشى مع مبادئ الحوكمة والشفافية، بعدما أصبح القانون الحالي عاجزاً عن تلبية الاحتياجات الراهنة، مشيرة إلى أن التصنيفات المحدودة للمنظمات سابقاً كانت تعوق أنشطتها، بالإضافة إلى الإجراءات المعقدة لتسجيلها التي كانت تستغرق وقتاً طويلاً إلا أن الوزارة عملت على تبسيطها بشكل عاجل.
إلغاء الرقابة الأمنية
لسنوات، كانت المنظمات الأهلية تخضع لرقابة أمنية مشددة.. وحول الإجراءات المتبعة لضمان استقلاليتها، بينت الأغبر أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل منعت أي رقابة أمنية على عمل المنظمات غير الحكومية، وأصبحت القرارات المتعلقة بها لا تتطلب موافقات أمنية بل يتم تقييمها ودراستها من قبل الوزارة ومديريات الشؤون في المحافظات بهدف تبسيط العمليات الإدارية وتعزيز اللامركزية وفقاً لرؤية ومنهجية عمل الوزارة.
أما عن الرؤية الوطنية التي تعتمدها الحكومة الجديدة لتمكين المنظمات والجمعيات الأهلية كشريك في عملية إعادة الإعمار والتنمية، فأكدت الأغبر أن خطة الوزارة ترتكز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية الفعالة مع المنظمات غير الحكومية من خلال تحديد الأدوار والمسؤوليات وتطوير آليات التمويل اللازمة لتنفيذ مشاريعها بكفاءة بالإضافة لوضع آليات لتقييم الأداء وتعزيز الشفافية، وقالت: “نعمل على تعزيز التنسيق بين القطاعات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، وخلق بيئة تمكينية غير تنافسية تدعم دور المنظمات غير الحكومية كمكمل للعمل الحكومي”.
الثقة الشعبية
وحول مساعي استعادة الثقة المجتمعية، كشفت الأغبر أن الوزارة تعتمد سياسة الشفافية والتشاركية مع المنظمات في صنع القرار من خلال الحوار، وستركز خلال المرحلة القادمة على تسليط الضوء على قصص النجاح الحقيقية التي تحققها المنظمات والتي تنعكس على المجتمع لتغيير الصورة النمطية السلبية، إضافة لرفع كفاءة المنظمات لزيادة فاعليتها بالاستجابة للاحتياجات المتزايدة.
ولفتت إلى أن الوزارة تنفذ برامج تدريب متخصصة بالتعاون مع منظمات أممية، مع التركيز على نشر ثقافة التطوع وتشجيع الشباب والمجتمع المحلي على الانخراط بالعمل الأهلي التطوعي.
وفيما يخص منظمات السوريين في المهجر، رحبت الوزارة بجميع مساهمات منظمات السوريين عبر ترخيص منظمات غير حكومية محلية أو بالتعاون مع منظمات فاعلة على الأرض أو من خلال فتح فروع لهم داخل سوريا، بالتنسيق مع وزارة الخارجية والمغتربين.
إعادة الإعمار
وفيما يتعلق بإعادة إعمار المناطق المنكوبة والمهمّشة، أشارت الأغبر إلى أن الوزارة تعمل على توجيه مشاريع التعاون الدولي نحو هذه المناطق، وبناء قاعدة بيانات متكاملة لتحديد الاحتياجات الفعلية، وتقديم الدعم الفني والمالي للجمعيات، إضافة لمتابعة وتقييم المشاريع المنفذة، لكنها تواجه تحديات متعددة أبرزها نقص التمويل، وتدمير البنية التحتية، ونقص الكوادر المؤهلة، إضافة إلى ضمان استدامة المشاريع بعد تنفيذها يعد تحدياً كبيراً يتطلب استراتيجية شاملة وتعاوناً مستمراً.
وتختتم الأغبر حديثها بالإشارة إلى وجود 3400 منظمة غير حكومية مرخصة حالياً تتركز أعمالها في كل المجالات الخدمية والتنموية، إذ تعمل المنظمات غير الحكومية تحت عدة تصنيفات أساسية “الأعمال الخيرية، الخدمات الاجتماعية، التعليم، الصحة، التنمية والإسكان، البيئة، القانون، الثقافة، الترويج للعمل التطوعي”.
ويبقى السؤال مفتوحاً.. في بلدٍ اعتاد الناس فيه أن تمر المساعدات من بوابة الأمن قبل أن تصل إلى الأيتام والمحتاجين.. هل تنجح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في استعادة الثقة المجتمعية، وتحويل العمل الأهلي إلى شريك حقيقي في بناء الوطن؟ وهل تستطيع أن تحقق العدالة في توزيع الموارد، وتعيد تشكيل جمعيات تكون مرآة للناس؟.