الثورة – حسن العجيلي:
في مشهد يعكس حجم التحديات التي تواجه الصناعة الوطنية، شهد مقر غرفة صناعة حلب، اليوم، اجتماعاً موسعاً بدعوة من مجلس إدارة الغرفة، حضره عدد كبير من الصناعيين والفاعلين في القطاع الاقتصادي، وترأسه رئيس الغرفة- المنتخب حديثاً- عماد طه القاسم، إلى جانب نائبه إسماعيل حاج حمد، ومدير المدينة الصناعية في الشيخ نجار المهندس أحمد كردي، وعضو مجلس الإدارة ورئيس لجنة المعارض المهندس محمد زيزان.
الاجتماع الذي كان من المزمع أن يتخذ طابعاً احتجاجياً، تحوّل إلى جلسة حوارية مشحونة، وسط نقاشات صاخبة ومداخلات صريحة عكست حجم الضغط الذي يعانيه القطاع، إلا أن التدخل الحازم للمهندس كردي ساهم في تهدئة الأجواء، وإعادة صياغة النقاش ضمن مسار مؤسساتي فاعل.
الكهرباء الصناعية تصدّرت قائمة الأولويات، وانقطاع التيار وانتظامه غير المستقر أكبر معوقات الإنتاج، مطالبين بتأمين مصدر طاقة موثوق ومستقر إما من خلال الشبكة العامة، أو عبر بدائل مدعومة كحلول الطاقة المتجددة أو توفير الفيول بأسعار مناسبة.
ضرائب الكهرباء.. جدل واسع
أبرز ما أثار الجدل خلال الاجتماع، ما يتعلق بالضرائب المفروضة على فاتورة الكهرباء الصناعية، حين تصل إلى 22 بالمئة لمصلحة وزارة المالية، إضافة إلى رسوم تبلغ 3 بالمئة على خط 20 ك.ف.أ، وصف بـ “استنزاف غير مبرر” للمنشآت الإنتاجية، مطالبين بإلغائها أو تعديلها بشكل عاجل.
رفض الحاضرون مقترح تحديد سعر الكهرباء بالدولار (15 سنتاً)، واعتبروه غير عادل، خاصة بالمقارنة مع أسعار مخفضة في مدن صناعية أخرى كسرمدا والباب، وطالبوا بتوحيد تسعيرة الكهرباء على المستوى الوطني.
وفي السياق ذاته، شدد الحاضرون على ضرورة تسهيل استيراد المواد الأولية والمدخلات الأساسية للإنتاج، وتبني سياسات مرنة تضمن وصولها من دون معوقات مالية أو إدارية، معتبرين البيروقراطية الراهنة عبئاً إضافياً على عجلة العمل الصناعي.
طالبت المداخلات بإغلاق المعابر غير الرسمية، وتوحيد الإجراءات الجمركية، وتفعيل المرفأ الجاف، في إطار حماية المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة، وتحديداً من البضائع المهربة أو منخفضة الجودة.
إصلاح تشريعي وتمويل ميسر
دعوات واضحة طُرحت خلال الاجتماع نحو تبني قرارات تنفيذية عاجلة بدلاً من دراسات مطولة، إلى جانب ضرورة توفير دعم مالي وائتماني حقيقي عبر قروض ميسّرة من المصارف الوطنية، بفوائد منخفضة وضمانات واقعية، تساعد في تمويل عمليات التحديث والصيانة، وشراء المعدات، وضمان استمرارية رأس المال العامل.
كذلك، أشار الصناعيون إلى أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية، وتسريع منح التراخيص، وتسهيل عمليات التسجيل والضرائب، بما يُعيد الثقة للمستثمرين، ويدفع المهجّرين نحو العودة إلى منشآتهم.
رئيس غرفة صناعة حلب عماد طه القاسم أكد خلال كلمته أن الغرفة، في دورتها الحالية، ستعتمد نهج العمل الميداني لا الاكتفاء برفع المطالب، مشدداً على أن الغرفة تمثل كل صناعي داخل الوطن وخارجه، وستكون منصة لتوحيد الصوت وتمثيله أمام الجهات المعنية.
كما أشار إلى وجود مواد تدخل عبر المعابر البرية لا تطابق المواصفات، مما يتطلب تفعيل الرقابة الجمركية، داعياً إلى إعادة تفعيل نظام إجازات الاستيراد، وبناء جسور ثقة بين الصناعيين والحكومة.
من جهته، بيّن مدير المدينة الصناعية المهندس أحمد كردي أن تأخير إصدار تسعيرة الكهرباء يعود إلى التنسيق المشترك بين وزارات المالية والطاقة والاقتصاد، مؤكداً أن دعم القطاع الصناعي هو حجر الأساس في أي استراتيجية للتعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل.
الاجتماع بما شهده من صراحة واحتدام، يعكس عمق المشكلات الصناعية، لكنه أيضاً يشير إلى وجود إرادة جماعية للتغيير.
مطالب الصناعيين تمثل الحد الأدنى اللازم لإنقاذ قطاع هو العمود الفقري للاقتصاد، ويبقى الرهان معلقاً على تحويل هذه المطالب إلى قرارات تنفيذية ملموسة تضع الصناعة على سكة التعافي، وتعيد لحلب دورها التاريخي كعاصمة للصناعة.