الثورة- عبد الحليم سعود:
قياساً بتاريخه الطويل بالتضليل والمراوغة السياسية والتنصل من التزاماته الدولية، ثمة من يسأل هل تعاون النظام السوري البائد فعلياً مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أم قام بمراوغتها وأخفى عن لجانها بعض مخزوناته من هذه الأسلحة، من أجل تكرار استخدامها ضدّ شعبه؟.
الواقع يقول: إن النظام البائد لم يكن شفافاً في هذه القضية، بل حاول امتصاص الضغوط الدولية المفروضة عليه في هذا الجانب، من أجل التخلص من الأعباء الثقيلة التي ترتبت على استخدامه المتوحش لهذه الأسلحة ضدّ المدنيين في الغوطة الشرقية في آب عام 2013، فمن جهة أبدى النية بالتعاون الكامل مع المنظمة، لكنه في الحقيقة أخفى ما أخفاه من ترسانته الكيماوية لاستخدامها لاحقاً، حيث شهدت السنوات التالية عدداً من الاستخدامات لهذا السلاح ضدّ المدنيين سواء في مدينتي خان شيخون في إدلب 4 نيسان 2017 ودوما بريف دمشق 6 نيسان 2018 أم في أماكن أخرى، ما استدعى إدانات دولية وقصفاً جوياً من قبل الولايات المتحدة الأميركية وعدد من حلفائها لعدد من مطارات النظام ومراكز أبحاثه العلمية المستخدمة لإنتاج هذه الأنواع من أسلحة الدمار الشامل.
تاريخياً، انضمت سوريا إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) الجهاز التنفيذي لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية، في تشرين أول عام 2013، على أثر استخدام قوات النظام السوري البائد للسلاح الكيماوي في غوطة دمشق، ما أدى إلى إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2118، وتشكيل المهمة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، لإزالة الأسلحة المعلنة وتدميرها خارج سوريا.
وبحسب تقارير المنظمة، تمّ إزالة وتدمير جميع الكيماويات المعلنة رسميّاً من قبل سوريا، إلا أن تساؤلات عدة ظلّت مطروحة بشأن اكتمال دقة تلك التصريحات، إذ ينصّ اتفاق الحظر على التزامات صارمة للدول الأعضاء، تتضمن حظر تطوير أو امتلاك أي أسلحة كيميائية، مع تقديم بيانات كاملة ودقيقة عن منشآتها ومستودعاتها الكيميائية.
وقد قدم النظام البائد في حينها للمنظمة بياناً بأسلحته الكيماوية، لكن لم يكشف عن كامل التفاصيل آنذاك، ولكن خبراء الأسلحة الكيماوية رجحوا أن يكون لدى سوريا نحو ألف طن من غاز السارين وغاز الخردل وغاز الأعصاب “في.اكس”، وأن بعضها مخزن كمادة خام وبعضها معبأ بالفعل في قذائف وصواريخ.
وبموجب اتفاق توسطت فيه كل من روسيا وأميركا أذعن النظام المخلوع على التخلص من منشآت الإنتاج ومعدات تعبئة المواد الكيماوية في الأسلحة، بحلول منتصف تشرين الثاني عام 2013 على أن يتم تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية السوري كاملاً بحلول 30 يونيو حزيران عام 2014.
لكن تطورات الحرب في سوريا أثبتت أن النظام قام باستخدام الأسلحة الكيماوية في العديد من المناطق السورية متهماً معارضيه دون أدلة مقبولة أو منطقية باستخدام هذه الأسلحة، محاولاً الظهور بمظهر الضحية، ومواصلة إنكار الجرائم التي يرتكبها بحقّ الشعب السوري.
ويقول الباحث في مركز جسور للدراسات رشيد محمود حوراني، في تصريحات له: إن نظام الأسد المخلوع كان يستغل مختبرات تابعة لوزارتي الصحة والزراعة، بحكم امتلاكهما منشآت لصناعة الأدوية، لاستخدامها في تطوير المواد الكيماوية، وهو ما يشكل مراوغة واحتيالاً على القرار 2118.
وكان كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد دعوا في 9 نيسان 2020 إلى محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وذلك بعد تقرير قدمته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قبل يوم واحد، أكدت فيه قيام سلاح الجو السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية، معتبرين أن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي ويمكن أن يرقى إلى جرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية.
وقد جاءت هذه المواقف بعد قيام سلاح الجو التابع لنظام الأسد، بتنفيذ هجمات كيميائية محظورة على بلدة اللطامنة، بمحافظة حماة وسط سوريا، في آذار 2017، في حين أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إن تحقيقاً لها استمرّ قرابة عامين خلص إلى أن مروحية عسكرية حكومية واحدة على الأقل، أسقطت أسطوانات غاز الكلور على مبانٍ سكنية في مدينة دوما، ما أسفر عن مقتل 43 شخصاً وذلك في السابع من نيسان عام 2018.