الشراكة بين الحكومي والخاص.. بوابة لدعم ريادة الأعمال خربوطلي لـ”الثورة”: بناء استراتيجية وطنية ضرورة ملحة
الثورة – هنادة سمير:
تشهد سوريا جملة من التحديات الاقتصادية والتحولات التي تجعل من الشراكة بين القطاعين العام والخاص إحدى الركائز الأساسية لدعم ريادة الأعمال وتحفيز الابتكار في البلاد، وتؤكد التجارب أن هذه الشراكة قادرة على خلق بيئة اقتصادية أكثر مرونة وابتكاراً، ما يسهم في بناء مشاريع مستدامة تواكب احتياجات السوق المحلي وتؤسس لاقتصاد قوي ومتجدد.
دور الحكومات
في هذا السياق يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي في حديث خاص لصحيفة الثورة أن ريادة الأعمال تختلف عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كونها تقوم على فكرة الإبداع والابتكار وخلق مشاريع جديدة تتسم بالقدرة على المجازفة، إذ يتميز رائد الأعمال بالتفكير خارج الصندوق والبحث عن حلول مبتكرة للمشكلات القائمة.
وفيما يتعلق بدور الحكومة، يبيّن خربوطلي أن مسؤولياتها الأساسية تتلخص في توفير بيئة محفزة لريادة الأعمال، تتضمن تبسيط الإجراءات الإدارية، وتوفير المعلومات والبيانات، وتأمين بيئة تمويلية مناسبة، مع أهمية وجود أسواق مالية تدعم هذه المشاريع، كما تلعب الحكومة دوراً محورياً في رسم الاستراتيجيات الوطنية التي تنبثق عنها برامج وسياسات داعمة لريادة الأعمال في البلاد.
الشراكة رافعة للاقتصاد
يرى الدكتور خربوطلي أن نجاح ريادة الأعمال في سوريا يتطلب شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، تشمل الجامعات ومراكز البحوث وغرف التجارة والصناعة والمنظمات الداعمة للأعمال، مبيناً أن هذه المنظومة يمكن أن تسهم في إنشاء حاضنات أعمال ومسرعات وبرامج تدريبية تدعم رواد الأعمال الشباب، وتمنح مشاريعهم قدرة أعلى على الاستمرار مقارنة بالمشاريع التقليدية.
ويؤكد أن هذا التعاون يؤدي إلى بناء مشاريع وطنية قادرة على إحداث تأثير اقتصادي إيجابي، من خلال توفير فرص العمل وخلق قيم مضافة جديدة.
استراتيجية وطنية
ويشدد خربوطلي على ضرورة وضع استراتيجية وطنية برؤية واضحة، تحدد أدوار ومسؤوليات جميع الجهات المعنية، لتفادي تكرار الجهود وتبعثرها، فمثل هذه الاستراتيجية يمكن أن توفر مظلة داعمة للمشاريع الريادية، من خلال تقديم خدمات استشارية وتدريبية، وتسهيل الحصول على التمويل، وخاصة بضمانة فكرة المشروع ودراسة جدواه بدلاً من الضمانات العقارية التقليدية التي لا تناسب الفئة العمرية التي ينتمي اليها أصحاب الشركات الناشئة.
واعتبر أن إشراك الاتحادات والغرف والجامعات في منظومة الدعم شرط أساسي لتحقيق النجاح، مستشهداً بتجارب الدول الأوروبية والأميركية والعربية التي اعتمدت على الشراكات متعددة الأطراف لتحقيق قفزات نوعية في قطاع ريادة الأعمال.
التحديات في سوريا
حتى اليوم، لم تنجح سوريا في بلورة استراتيجية وطنية شاملة لدعم ريادة الأعمال، بحسب خربوطلي، فقد اقتصرت الجهود السابقة على مبادرات متفرقة لم تستطع الوصول إلى حل رواد الأعمال في مختلف المحافظات، إذ تفتقر البلاد إلى منظومة متكاملة تجمع بين الأطراف العامة والخاصة.
ودعا إلى حوار وطني بين جميع الجهات المعنية، بما فيها القطاع الأهلي والمنظمات الإقليمية والدولية، لوضع خطة عمل واضحة تساهم في خلق بيئة وطنية داعمة لريادة الأعمال، تعزز الاقتصاد السوري وتمنح أبناء البلد الفرصة لبناء مشاريعهم الخاصة التي يمكن أن تمتلك امتداداً خارجياً مستقبلاً.
تجربة ناجحة.. نموذج “وريد”
يقدم رائد الأعمال حسن قويدر- مؤسس تطبيق “وريد” للخدمات الطبية، مثالاً على نجاح الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص من خلال الشراكة مع إدارة السكن الجامعي بدمشق لتقديم الرعاية الطبية لطلاب السكن وذويهم عن طريق تطبيق “وريد”، الذي يتيح تقديم خدمات صحية بأسعار مخفضة.
وفي حديثه لـ”الثورة” يوضح قويدر أن التعاون مع القطاع الحكومي يمنح الشركات الناشئة المحلية القدرة على تعزيز ثقة المجتمع بمنتجاتها وخدماتها، ويسهم في زيادة الانتشار، دون الحاجة لدعم مالي مباشر.
ميزة تنافسية
ويرى قويدر أن الشراكة مع الحكومة تمنح الشركات السورية ميزة تنافسية مهمة في مواجهة الشركات الأجنبية، خاصة في ظل سياسة الانفتاح الحالية، حيث يمكن عبر هذا التعاون دعم المنتجات المحلية وتوسيع نطاق الخدمات في مجالات متعددة مثل التعليم والصحة والتجارة الإلكترونية والخدمات المالية وغيرها.
ختاماً.. تثبت التجارب أن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في مجال ريادة الأعمال حاجة ملحة لبناء اقتصاد وطني متجدد، فالمشاريع الريادية ليست مجرد فرصة اقتصادية، بل هي استثمار في الطاقات الشابة وبوابة لإحداث تحول حقيقي في مستقبل الاقتصاد السوري.