الثورة – إيمان زرزور:
رغم صمت المدافع وتراجع أصوات القصف، لم تنتهِ الحرب في سوريا بعد، إذ لا تزال شظاياها ماثلة في كل زاوية، على شكل قنابل نائمة، تنتظر شرارة عابرة أو لمسة خاطئة لتنفجر في وجه مدني لا يدرك خطرها، باتت تلك المخلفات والمستودعات العشوائية مصدراً آخر للموت المستمر في سوريا.
في الحقول، بين أنقاض البيوت، وتحت الطرق المدمرة، تنتشر مخلفات الحرب من عبوات ناسفة صدئة، قذائف لم تنفجر، صواريخ تالفة، وأسلحة ثقيلة منسية، مستودعات عشوائية، وهي مواد شديدة الخطورة، لا يظهر أثرها مباشرة، لكنها قابلة للانفجار في أي لحظة بفعل الحرارة، أو مرور مركبة، أو حتى عبث طفل ظنها لعبة معدنية.
منذ بداية الصيف الجاري، تزايدت حالات الحرائق والانفجارات “المجهولة” لمستودعات أو قنابل أو مخلفات قديمة في مناطق متفرقة من حماة وإدلب بشكل رئيس، واتضح لاحقاً أن معظمها ناتج عن أجسام حربية من مخلفات سنوات الحرب، الضحايا هذه المرة لم يكونوا جنوداً أو مقاتلين، بل مزارعون عادوا إلى أرضهم، أطفالٌ لعبوا قرب ركام منزل، أو نساء أشعلن النار فوق حفرة تخفي شظايا صاروخ.
يقول طبيب في أحد المستشفيات الريفية: “نستقبل شهرياً مصابين بانفجارات غير مفهومة، تتراوح إصاباتهم بين بتر الأطراف والحروق العميقة والرضوض في الرأس والعينين، بعضهم لا يدرك أنه أمسك قنبلة، أو وضع قدمه فوق لغم قديم”، هذا علاوة عن سقوط ضحايا جلهم أطفال بسبب مخلفات الحرب والانفجارات القوية في المستودعات العشوائية.
تشير شهادات ميدانية إلى أن المشكلة لا تقتصر على وجود هذه المخلفات، بل في غياب الإجراءات الجدية للتعامل معها، حيث تتقاطع عدة أوجه من التقصير وغياب التوعية المجتمعية بمخاطر مخلفات الحرب، وضعف إمكانات إزالة تلك المخلفات، وعدم وجود مسح منهجي للأراضي الزراعية والمناطق السكنية، وتساهل خطير في تجارة الحديد والخردة، ما يتيح نقل القذائف والمواد المتفجرة إلى الأسواق.
يرى خبراء محليون أن الحل لا يتطلب معجزات، بل خطوات عاجلة، منها “تكثيف حملات التوعية في المدارس والقرى والأحياء المدمرة، وتخصيص خطوط ساخنة للإبلاغ عن الأجسام المشبوهة، ودعم فرق إزالة الألغام بالمعدات والتقنيات الحديثة، وإدماج مبادئ السلامة من مخلفات الحرب في المناهج الدراسية، علاوة عن سعي حقيقي لتفريغ تلك المستودعات التي تحوي أسلحة وذخائر قديمة للقطع العسكرية بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكان.
ورغم أن الحرب توقفت، إلا أن موتها ما زال حاضراً في أرض سوريا، متربصاً بخطوات الأبرياء، ومادامت هذه القنابل تنام تحت التراب، فإن بكاء الأمهات لن يتوقف، إنها مسؤولية جماعية، تبدأ من التوعية، ولا تنتهي إلا بتطهير كامل للتراب السوري من كل ما خلفته الحرب، وإن لم نتحرك اليوم، فثمن التأخير سيكون مزيداً من الدماء البريئة التي لم تطلق رصاصة، لكنها لا تزال تدفع ثمن الحرب.