الثورة – أحمد صلال – باريس:
الدكتور علي الشيخ، مثال حيّ عن الطبيب الثوري، الذي استخدم الطب كمدخل احترف من خلاله العمل الثوري، يعتبر ما وضع وقدم “ذرة رمل صغيرة في مشروع الثورة السورية المجيدة”.
عمل الدكتور علي الشيخ بعد تخرجه في عيادته ومستشفيات دمشق، وبنفس الوقت كان ضابطاً في وزارة الداخلية، الوزارة التي أوفدته الاختصاص ورفضت منحه المنحة بعد أربعين يوماً من دون عذر قانوني، اهتمامه في بنائه العلمي “التطوير الذاتي هو تطوير لمؤسسات البلد الأم” عدا عن ثوريته.. أشياء ميزته.

مرحلة جديدة بدأها الدكتور علي الشيخ منذ وصوله العاصمة الفرنسية باريس، كانت هناك رغبة في الاختصاص بطب الأطفال كللت بالنجاح، “بتعبي وعرقي استطعت التخصص في مجال طب الأطفال”، كان طبيباً شبيهاً بفرانز فانون، طبيب تحركه ثوريته، حينذاك كانت أبواب المستشفى والعيادة مفتوحة لكل السوريين بلا استثناءات طائفية أو مناطقية أو سياسية، وخدماته الطبية تقدم لهم بالمجان “طبيب السوريين”، مثلما يحب أن يسميه السوريون في فرنسا، حتى موظفي السفارة كنت أعالجهم بالمجان، بالنهاية هؤلاء أناس متعبون ومنهكون ولا ناقة لهم ولا جمل في إنتاج الديكاتورية.
مرت عقود على ترك الشيخ دمشق، كرمه السوريون اليوم بتنصيبه عميداً لرابطة الجالية السورية في فرنسا، وبلغت شهرته فرنسا كلها بالنسبة للسوريين، حتى أصبح قامة طبية ووطنية سورية يقبل عليها الشباب، حتى أولئك الذين لا يعرفون الشيخ.
“الثورة غيرتني أكثر بكثير مما كنت أتصور”.. علق علي الشيخ على ذكرياته حول الثورة، الشيخ الذي يتظاهر مع السوريين في جميع أنشطة باريس، الرجل الذي يعتبر شخصية طبية سورية معروفة في فرنسا، كان أشد المنتقدين للنظام البائد، ولا يمكن اختلاف الآراء حول الشيخ، أنه برأيهم كلهم رجل وطني من نوع خاص، كان طوال الثورة يفكر مدبراً متدبراً، قادراً على العمل والحركة، منجزاً، منفتحاً على الجميع، قابلاً للتطور والإنجاز والبناء على ما سبق.
بعد نصف قرن ونيف من حكم الأسدية بصفحتيها، يذكر علي الشيخ دعوته من قبل بلدية باريس ليكون أحد المستقبلين لرأس النظام المخلوع بشار الأسد، عن هذا اللقاء يحكي الشيخ: “لبيت دعوة بلدية باريس للقاء مسؤولين سوريين يمكن أن نقدم مقترحات لهم عن الضمان الصحي والطب والعلوم والدراسة والتفرغ، كانت كل هذه النصائح في مهب الريح، لا عين ترى ولا أذن تسمع”.
الدكتور علي الشيخ الذي ولد لأب محدود الدخل، أدار ظهره لحياة الرغد الفرنسي ليكون جزءاً من ثورة استمرت سنوات كثيرة، وصاغه دهاؤه السياسي وإحساسه القوي بالقدر وتواضعه اللا محدود، “أعطيت ساعات في مدارس دمشق لكي أستطيع العيش وإكمال الدراسة، حياتي لم تكن وردية، وجعي جزء من المآسي الجمعية السورية”.
لم يكن الدكتور علي الشيخ طبيباً أو مثقّفاً أو مناضلاً فحسب، إذ كان كلّ الصفات في الوقت نفسه.
كان الشيخ ناقداً للنظام مدافعاً عن الهويّة، قاتل بفكره وقلمه ونتاجه الذي منح الثورة السورية في فرنسا، الكثير من الرقيّ، والكثير الكثير من المرجعية.
“في قلب كل أزمة بصيص ضوء نعثر عليه إن بحثنا عنه، وفي الأزمات بقعة ضوء، حتّى في قلب الكارثة ثمّة ما ينظر إليه بإيجابيّة، ولو محدودة، إيجابيّة يمكن أن تعوض جزئياً هول الخسارة بالنسبة للشيخ انتصار الثورة بصيص وبقعة ضوء وتعويض جزئي عن هول الخسارة.
وبالنظر إلى فكر الدكتور علي الشيخ ومراحل تشكّله، فإننا نجد أثراُ لأسرته في ذلك عدا التشجيع على دراسته في الجامعات الفرنسية، إذ تمكّن هناك من دراسة الطب، ومن ثم اتسعت له دائرة الاحتكاك الثقافي بالحضارة الأوروبية ومثقفيها من أمثال سارتر وغيره؛ حتى توطّدت العلاقة بينه وبينهم للدرجة التي جعلت منه مناضلاً من طينة خاصة.