ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم:تشهد حرب التسريبات الأميركية تصعيداً ملحوظاً ولم تعد حكراً على حدث محدد، وإن كانت تتكثّف قبله، فيما تبلغ معارك الاجتزاء السياسي التي يخوضها الغرب عموماً ضد روسيا وموقفها ذروتها ولم تبقَ رهناً بتطورات هذا الحدث أو ذاك،
وإن كانت تشهد أقصى درجات تموجاتها وفق معطياته، وتشمل أيضاً كل مكونات وأدوات السعي الأميركي للإملاء بفرض حل تورّمت أوهامه.. وتضخّمت ملامح السراب فيه..
ولعل ما أحاط باجتماع جنيف من تسريبات وما خيض من معارك حقيقية ووهمية يفسر ما شهدته أروقة التحضير له من تسخين واضح لم يخل من اجتزاء في هذا الموقف أو تحريف في ذلك التصريح. وكان معه بالتوازي كحصيلة اعتيادية تسبق أي حدث أو استحقاق هو تصعيد في إجرام المجموعات الإرهابية لتكون الدريئة الجديدة للاصطياد في الماء الآسن ذاته!!
ما يلفت الانتباه أن الاعتراض الغربي على مشاركة هذا الطرف أو ذاك.. ولغة الاشتراط المسبق على النتائج لم تكتفِ بما تنطوي عليه من مفارقات، بل أضافت إليه مزيداً من الإثارة السياسية وهي تتحدث بلغة لا تغيب عنها مفردات الهيمنة.
ويبدو أن عدوى تلك المفردات لم تعد مقتصرة على الخطاب الأميركي، بل انتقلت أيضاً إلى الأدوات الأميركية ذاتها التي تنطحت بدورها للاشتراط هنا والاجتزاء هناك.. إلى التحميل على هذا الموقف والتفسير لذلك التصريح، وقدمت نفسها في موقع المقرر وأحياناً من يملي آراءه ومواقفه ويحدد صيغ القبول والرفض!!
في عناوين المفارقة أن الرفض الأميركي والغربي كما هو لدى بعض العرب لمشاركة إيران في اجتماع جنيف يكاد يفضح كل ما يقف وراء الستار من أسباب ودوافع، والمفارقة الكبرى أن «التهمة » الموجهة لإيران أنها تقف إلى جانب سورية.. وكأنه لا يحقّ لأحد أن يتّخذ موقفاً إلا وفق معايير الغرب وحساباته ومعادلاته وبما يخدم مصالحه!!
وفي تفاصيلها أن المشهد اليوم يريد أن يفرض نمطيته المسبقة وأن يعرض إنجازاته قبل أن يحصل الاجتماع أصلاً، وكأنه يريد أن يوصل الرسالة التي عمل من أجلها منذ بداية الأزمة دون أن يدرك أن هذه الرسائل لا يمكن أن تقدم ما هو مطلوب.. ولا تستطيع أن تحقق مرادها، ما دامت مكتوبة بلغة الإملاء، وما دام الخطاب فيها تعبوياً متخماً بمفردات الهيمنة.. رغم انشغال أصحابه طوال الوقت بحروبها في اجتزاء هنا وفبركة هناك.. في تسريب هذه الكذبة أو تلك.
والسؤال: لماذا تُستبعد إيران..؟ ولماذا يتحد الغرب وأدواته على هذا الاستبعاد ما دامت الغاية كما يقولون هي إيجاد حلّ سياسي؟!
في الإجابة البسيطة والمبسطة.. أنهم لا يريدون إيجاد حلّ سياسي، بل يسعون لفرض حلّ.. وهنا المعضلة الكبرى والمشكلة الأكبر التي تؤزم ذلك الخطاب!!.
منذ بداية الأزمة لم يكن متاحاً للغرب وأدواته أن يفرضوا هذا الحل.. ولم يستطيعوا أن يسوّقوا كل النماذج التي مرّروها في الأحداث العربية.. والأهم أنهم لم يدركوا ماذا تعني سورية، وما هي محددات وضوابط العمل السياسي حين يتعلق الأمر بسورية التي لا يمكن أن تشبه إلا ذاتها.. والأحداث لا تتكرر في أي مكان آخر، بل لا تحدث غير هنا.. ومن ثمّ فإن الحل لا يمكن أن ينبع إلا من هنا.. وكل ما تصيغه الغرف المغلقة والكواليس الظلامية من حلول تبقى مجرد سراب في ليل طويل.. وكابوس سياسي يلاحق أدواته لا يمكن الفكاك منه.
في كل الأحوال.. حين تتمكن الإدارة الأميركية وأدواتها في المنطقة وتابعوها الأوروبيون من إدراك الفارق بين بحث عن حل وفرض حل.. يمكن أن تتلمّس البوابات الصحيحة.. ويمكن لها أن تجد المخارج حتى لمآزقها المتراكمة، وقد تجد أيضاً ما يحفظ ماء وجهها.. ولو على حياء.
سورية كانت مع أي مسعى دولي جاد لإيجاد حل.. لكنها -كما هم جميع أصدقائها- لا تقبل ولا يقبلون أن يُفرض حل عليها مهما كان مصدره أو صيغته.. فحل الأزمة هنا.. ويمر من هنا.. مفرداته تكتب هنا.. وبنوده تصاغ هنا بخصوصية المعنى السوري له.. وإلا فالقاع ذاته والنفخ في القربة المثقوبة دون طائل!!
a.ka667@yahoo.com