الثورة – خاص:
في صباح يوم الجمعة، الموافق 27 حزيران/يونيو 1980، شهد سجن تدمر العسكري واحدة من أكثر الجرائم دموية في تاريخ سوريا المعاصر، حين نفذت “سرايا الدفاع” بقيادة “رفعت الأسد”، شقيق “حافظ الأسد”، عملية تصفية جماعية راح ضحيتها المئات من المعتقلين السياسيين، أغلبهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين.
كانت الذريعة في ذلك الوقت، تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال أثناء وداعه للرئيس النيجيري حسين كونتشي في قصر الضيافة بدمشق، نفذ العملية أحد حراسه، حيث ألقى قنبلتين يدويتين وأطلق النار، لكن حارساً آخر تدخّل وأنقذه، مما أسفر عن إصابة حافظ بجروح طفيفة، عقب الحادثة، اتهم النظام حينها “جماعة الإخوان المسلمين” بالتخطيط للهجوم، وأعقب ذلك قرار سريع بارتكاب المجزرة.
يقع سجن تدمر الصحراوي في محافظة حمص، على بعد 200 كم من دمشق، تولت قوات “سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد، وتنفيذ الرائد “معين ناصيف” عملية محاصرة السجن وارتكاب المجزرة، حيث استخدمت القنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة في مهاجمة المهاجع بشكل متزامن، كما أقلعت 12 مروحية عسكرية من دمشق باتجاه تدمر، وشارك في الهجوم نحو 80 عنصراً اقتحموا الزنازين وفتحوا نيرانهم على المعتقلين.
وفق شهادة الناجي “خالد العقلة”، بدأ الهجوم في تمام الساعة التاسعة صباحاً بانفجار قنبلة أعقبها إطلاق نار كثيف دام أكثر من 40 دقيقة، ثم استمر متقطعاً حتى الظهر، في ظل انقطاع الكهرباء والماء. من بين عشرات المهاجع، نجا مهجع واحد فقط من الاقتحام.
لا يوجد حصيلة مثبتة حقوقياً لعدد الضحايا وتقديراتهم، تشير أرقام صادرة عن “هيومن رايتس ووتش” إلى نحو 1000 قتيل، ووفق شهادات ناجين ومصادر حقوقية تتراوح التقديرات بين 1000 و1500 معتقل، نقلت الجثث إلى منطقة صحراوية تُعرف باسم “وادي عويضة”، حيث دُفنت في مقابر جماعية دون توثيق أو إبلاغ أهالي الضحايا.
عقب تنفيذ العملية، تم تنظيف السجن وإصلاح ما خلّفه الهجوم من آثار، كما مُنع المهجع الناجي من الحصول على الطعام والماء ليومين، لاحقاً، استُؤنفت الحياة في السجن بوصول دفعات جديدة من المعتقلين السياسيين.
رغم محاولات النظام آنذاك التعتيم على الجريمة، تسرّبت المعلومات لاحقاً من خلال تحقيق أجري في الأردن عام 1981 مع عنصرين سوريين، تحدثا عن مشاركتهما في المجزرة. كما أقرّ “رفعت الأسد” لاحقاً بالعملية خلال مقابلة تلفزيونية، معتبراً أنها رد على محاولة اغتيال شقيقه.
بالنسبة للموقف الحقوقي والدولي، كانت وصفت لجنة حقوق الإنسان المجزرة بأنها “جريمة تتجاوز القتل العمد”، وطالبت بمحاسبة المتورطين، في وقت دعت “العفو الدولية” مراراً لفتح تحقيق شفاف والكشف عن أسماء الضحايا ومكان دفنهم، اما “القضاء الدولي” لم يُفتح أي ملف جنائي رسمي بحق رفعت الأسد أو غيره من المتورطين بالجريمة، رغم ملاحقته لاحقاً في فرنسا لأسباب مالية فقط.
تظل “مجزرة سجن تدمر” شاهداً على وحشية القمع السياسي في سوريا، وواحدة من أفظع الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين العزّل في معتقل رسمي تابع للدولة، ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال القضية من دون تحقيق حقيقي أو محاسبة، وتبقى وصمة عار في سجل نظام الأسد، ورمزاً للمطالبة بالعدالة والمساءلة والحق في الحقيقة.