الثورة – إيمان زرزور:
في ظل سنوات من النزوح واللجوء، لا يزال الكثير من السوريين الراغبين في العودة إلى وطنهم يواجهون معضلة حقيقية، حيث يتصدّر الهاجس الاقتصادي قائمة المخاوف التي تعوق اتخاذ قرار العودة.
فبين رغبة عميقة بالرجوع إلى البيت والأرض، يقف المعيل ــ سواء أكان أباً أو أماً ــ أمام واقع معيشي شائك، تتداخل فيه خريطة سوق العمل مع متطلبات الإعالة، وتكلفة إعادة بناء حياة من نقطة الصفر.
يختار البعض العودة رغم شعورهم بالقلق، فيما يمتنع آخرون لأنهم لا يستطيعون المجازفة بمصدر رزقهم، لا سيما في ظل غياب ضمانات حقيقية تكفل الاستقرار الاقتصادي، فالمخاوف لا تنبع من انعدام الرغبة في العودة، بل من خشية العجز عن توفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم.
هذه الهواجس لا تُعد حالات فردية، بل تتكرر في أحاديث مئات العائلات السورية التي تعتمد في معيشتها على شخص واحد، يعلم تماماً أن العودة تعني الاصطدام بواقع اقتصادي مرير، فالبنية التحتية مدمّرة، وفرص العمل محدودة، والمهن الحرة فقدت الكثير من حيويتها، والأسوأ من ذلك، هو غياب أي برامج جدّية لدعم العائدين، ما يجعل قرار العودة محفوفاً بالمخاطر.
المُعيلون السوريون لا يطالبون بالكثير؛ إنهم فقط يبحثون عن بيئة آمنة، فرصة عمل تضمن الكفاف، ومدرسة لأطفالهم، بعيداً عن الاتكال على المعونات أو انتظار المساعدات الإنسانية، إنهم يسعون للكرامة قبل أي شيء، ويفضّلون البقاء في الخارج على العودة إلى مستقبل غامض لا يَعِدهم بشيء سوى العجز.
هذا الواقع، يتطلب حراكاً حكومياً جاداً علاوة عن دعم من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية، لمتابعة أوضاع هؤلاء العائدين والمحتاجين منهم، وأي خطة وطنية للعودة يجب أن تبدأ من أرضية واقعية، تُبنى على فهم حقيقي لاحتياجات المعيلين، وتترجم إلى برامج ملموسة، مثل دعم المشاريع الصغيرة، وتأهيل سوق العمل، وتوفير قروض ميسّرة، وضمان صحي وتعليمي مستدام. فهذه الإجراءات وحدها قادرة على استعادة الثقة، وتحويل العودة من قرار محفوف بالخوف إلى خيار ممكن وآمن.
حتى ذلك الحين، سيبقى المعيل السوري ممزقاً بين الحنين إلى الوطن، والخوف من الفقر، يحمل بلده في قلبه، لكنه يزن كل خطوة بميزان الخبز والكرامة، ومن هنا، فإن أي حديث جاد عن “عودة كريمة” لا بد أن يضع المعيل في مركز المعادلة، ويبدأ بإعادة بناء الأرض التي يمكن أن يُبنى عليها الأمل من جديد.