الثورة – تحقيق لينا إسماعيل:
شهد إنتاج القمح هذا العام تراجعاً غير مسبوق.. فقد بلغ إجمالي مشتريات القمح لغاية تاريخ 24/7/2025- بحسب المدير العام للمؤسسة السورية للحبوب المهندس حسن محمد العثمان- 372084 طناً، في حين بلغت الكمية 674976 طناً في موسم 2024، بانخفاض نسبته 55.1 بالمئة.. ما يخلق تحدياً كبيراً أمام الحكومة لجهة تحقيق الأمن الغذائي من القمح المنتج محلياً.
تراجع الإنتاج وتغطية النقص
يأتي التراجع نتيجة عدة عوامل أثرت على الموسم الزراعي عموماً، وعلى القمح بشكل خاص، ذلك المحصول الاستراتيجي المهم، الذي كان يلبي احتياجات السوق المحلية، ويُصدَّر إلى الخارج في سنوات ماضية، إلا أن الجفاف هذا العام، أدى إلى تضرر المساحات المزروعة، بنسبة كبيرة، إضافة إلى عوامل عانت منها مواسم السنوات الماضية، نتيجة الأحداث السياسية التي مرّ بها البلد، والتي انعكست على عدم توافر مستلزمات الإنتاج، ما أدى إلى استبدال عدد من الفلاحين زراعة القمح، بمحاصيل أخرى أقل تكلفة.
صحيفة الثورة تابعت الإجراءات المتخذة لتغطية النقص في إنتاج القمح، وأوضح مدير عام المؤسسة السورية للحبوب المهندس حسن محمد عثمان أنه تم استلام كمية 146 ألف طن من القمح كمنحة من الجمهورية العراقية الشقيقة، وكذلك تم إبرام عقد لشراء كمية 16666 طناً من الدقيق.
كما تم شراء 373134 طناً من الأقماح موسم 2025 حتى تاريخه، علماً أن المؤسسة مستمرة في إبرام العقود لشراء الأقماح حسب الحاجة.
واقع التخزين وصعوباته
تحدث المهندس عثمان عن واقع تخزين القمح الذي يعاني من عدة صعوبات، أهمها:
أولاً: خروج عدد كبير من الصوامع والصويمعات عن السيطرة في محافظات (الحسكة، حلب، الرقة، دير الزور)، ما استدعى اللجوء للتخزين في العراء والمستودعات، ما يؤدي إلى الهدر وتحميل أعباء مالية إضافية.
ثانياً: تضرر عدد كبير من الصوامع والحاجة إلى إعادة تأهيلها بغية استثمارها بالشكل الأمثل.
ثالثاً: قدم الآلات والحاجة إلى التجديد.
رابعاً: قلة الكادر الفني المختص، وعدم استقرار التيار الكهربائي، ما يؤثر على العمليات الإنتاجية (غربلة- تعقيم).. وأوضح أن عدد الصوامع العاملة حالياً 14 صومعة، منها ما هي مستقلة، ومنها ما هو بمطحنة، إضافة إلى وجود مستودعات بيتونية يتم تخزين الأقماح فيها.. والمناطق التي لا يوجد فيها صوامع، أو مستودعات، يتم تخزين القمح فيها بالعراء.
صوت الفلاح الغائب
وبالرجوع إلى أهم الصعوبات التي تواجهها زراعة القمح، التقت صحيفة الثورة عدداً من الفلاحين العاملين بزراعة القمح، وأوضح كل من سليمان الكنيدر الشعابين، وخليل العبد الحسين، أن زراعة القمح تحتاج إلى توفير أصناف جديدة، قادرة على تحمل الجفاف، فالقمح والشعير الأوكراني نموه ضعيف، لأنه يحتاج إلى جو رطب بشكل دائم، والجفاف أدى إلى تضرر العديد من المساحات المزروعة، وخروجها عن الإنتاج.
وأضافا: قديماً كان هناك نوعية جيدة من القمح اسمها “شام 1” محسّنة، لكنها اختفت من الأسواق، وتحدث كل من نوري العبود الخراجي، وأيوب الشعابين عن ارتفاع أسعار أدوية مكافحة النباتات الضارة، وكذلك أسعار السماد، إضافة إلى ارتفاع أسعار المازوت، ومستلزمات الزراعة والحصاد، موضحين أن الفلاح اعتمد في سقاية محصوله على الآبار الجوفية، باستخدام المولدات الكهربائية، ونتيجة غلاء المازوت والتكلفة المرتفعة للزراعة، امتنع الكثيرون عن زراعة القمح.
وأوضحا أنه وعلى سبيل المثال أن أجرة فلاح (الجرار الزراعي) 12 دولاراً للدونم الواحد، ويحتاج إلى بذار 500 كغ بنحو 230 دولاراً، وكل طن قمح يحتاج 580 دولاراً، كما يحتاج أدوية نباتات رفيعة مثل السنيسلة، وعريضة مثل الفجيلة إلى 100 دولار، وتكلفة حصاد 150 دولاراً، فزراعة مساحة هكتار تكلف الفلاح 1100 دولار، ما عدا تكلفة المازوت.. وبالتالي المزارع إذا زرع 3 أطنان يعتبر خاسراً.
وبسبب تدني جودة الأصناف والعوامل التي ذكرناها سابقاً، فإن الموسم لا ينتج كميات تحقق الربح للفلاح.
مطالب فلاحية
وبناءً على تلك المعطيات لخص الفلاحون مطالبهم بما يلي:
أولاً: تخفيض سعر السماد الوطني.
ثانياً: توفير أصناف جديدة من القمح، قادرة على تحمل البيئة الجافة.
ثالثاً: توفير مستلزمات العمل في كل جمعية فلاحية (جرار وحصادة) بأجور مقبولة، بالتوازي مع توفير المازوت، بدعم حكومي وبأسعار رمزية.
رابعاً: تقديم القروض الزراعية للفلاحين بلا فوائد.
خامساً: تخفيض سعر الأدوية الزراعية.
سادساً: شراء المحصول بأسعار تتناسب مع حساب التكلفة.
سابعاً: إعادة تأهيل قنوات الري المتضررة، والمتهالكة من الحرب، وإدخال نظام ري حديث.
خطط دعم
وبمتابعة حلول وزارة الزراعة لتجاوز صعوبات زراعة القمح للمواسم القادمة، والتعامل مع خسارات الفلاحين لهذا الموسم، أوضح مدير مديرية التخطيط والاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة، الدكتور سعيد إبراهيم، أنه تمّت مناقشة إمكانية دفع تعويضات رمزية عبر صندوق دعم الإنتاج الزراعي، كما تعمل بعض الجهات مثل FAO، وبرنامج الغذاء العالمي WFP على توزيع بذار وأسمدة، ولكن بشكل محدود.
وأضاف: نحن مع مطالب المزارعين بدعم فعلي يشمل تثبيت سعر شراء القمح بما يغطي التكاليف، وجدولة ديون المصرف الزراعي، وتوفير إعفاءات ضريبية للمناطق المنكوبة بالجفاف.
وتابع: هناك خطط للاستدامة الزراعية، يتم تبنيها في ظلّ تغيّر المناخ كزراعة أصناف مقاومة للجفاف، وأقل استخداماً للمياه، واستخدام تقنيات الحصاد والري الحديث، وتدريب الفلاحين على تقنيات الزراعة الحافظة للمياه بالتعاون مع منظمات دولية، والاستفادة من البحث العلمي والتجارب العلمية الحديثة، بالإضافة إلى إمكانية إنشاء نظام للتأمين الزراعي.
في النتائج
بالمحصلة، تقف الحكومة اليوم أمام واقع زراعي، يحتاج إجراءات تتصدر أولوية العمل، لاستعادة الطاقة الإنتاجية، التي تلبي احتياجات البلد من القمح السوري، الذي كان خلال الأعوام 2000- 2010 كمتوسط إنتاج ما بين 3,5 إلى 4,5 ملايين طن، آخذين بعين الأهمية أن زيادة الاعتماد على الاستيراد، والمساعدات، كحلول آنية، محفوف بمخاطر التقلبات السياسية، والعقوبات، وصعوبات التمويل، ما يشكل تهديداً حقيقياً للأمن الغذائي.