الترخيص لشركات ومكاتب صرافة جديدة.. خبير اقتصادي لـ”الثورة”: إعادة توزيع النفوذ المالي داخل السوق

الثورة – إخلاص علي:

تركت شركات الصرافة انطباعاً سلبياً لدى المواطن السوري نتيجة الدور السلبي الذي مارسته خلال السنوات الماضية، ولاسيما الابتزاز وتقاضي نسب عالية لقاء تمويل المستوردات مع شريكتها ” منصة” التمويل سيئة السمعة.

مناسبة الحديث عن شركات الصرافة يأتي على خلفية إعلان مصرف سوريا المركزي عن قائمتين لأسماء شركات ومكاتب صرافة مرخصة رسمياً، وأخرى حاصلة على ترخيص مبدئي، من بينها شركات كانت تعمل سابقاً في الشمال، على أمل أن تلعب دوراً إيجابياً، وألا تكون كسابقاتها بديلاً للمصارف المعطلة حتى الآن، وتساهم في استقرار سعر الصرف ومنع المضاربة.

إنهاء حالة الفوضى

في هذا السياق يرى الخبير المصرفي والمالي فادي ديب في قرار مصرف سوريا المركزي، خطوة تنظيمية مهمة، تضع قواعد واضحة للعمل، وتحدد من هو المرخص للعمل بشكل رسمي.

وأوضح ديب في تصريح لـ “الثورة” أن هذا التنظيم أساسي لإنهاء حالة الفوضى التي شهدها سوق الصرافة في السنوات السابقة، والتي تسببت في انتشار أسعار متفاوتة وعشوائية، وساهمت في فقدان الثقة بالليرة السورية، خصوصاً بالنسبة للمواطن العادي والمغتربين الراغبين بتحويل أموالهم عبر قنوات رسمية.

وتابع حديثه بالقول: ولكن عند التدقيق في أبعاد القرار، يظهر أن له طابعاً استراتيجياً أعمق لا يقتصر على تنظيم الشركات فحسب، بل يشمل إعادة توزيع النفوذ المالي، بمعنى آخر يحدد من سيبقى لاعباً أساسياً في السوق ومن سيتم تحجيم دوره، وهو بذلك يعيد ترتيب القوى داخل سوق حساس مثل سوق الصرف.

كما أشار إلى أن الأمر الأكثر حساسية هو أن بعض الشركات المدرجة ضمن القوائم كانت تعمل سابقاً في مناطق خارج سيطرة النظام المخلوع (الشمال السوري)، وبالتالي إدخالها إلى السوق الرسمي يمثل خطوة دمج للاقتصاد الموازي ضمن الإطار القانوني، لكن بنفس الوقت يمنح هذه الشركات فرصة لاستعادة نفوذها المالي وربما تعزيز سيطرتها على بعض المناطق الجغرافية أو القطاعات من السوق.

يُوسّع قاعدة السوق

ول الأثر الذي يمكن أن يتركه دمج شركات الشمال مع المنظومة الرسمية قال ديب: دمج شركات ومكاتب الصرافة التي كانت تعمل في الشمال السوري مع المنظومة الرسمية له وجهان، الوجه الأول إيجابي وهو إدخال هذه الشركات تحت المظلة الرسمية ما يوسع قاعدة السوق النظامية ويُقلل من حجم السوق السوداء.. أما الوجه الآخر ففيه تحديات، هذه الشركات لديها شبكات قديمة وعلاقات قوية ورأس مال متحرك إذا لم تتم مراقبتها وضبط عملها بشكل دقيق، قد تفرض نفوذها على السوق وتخلق تكتلات أو احتكارات جديدة، بمعنى آخر الدمج ممكن يكون خطوة توحيد لكنه أيضاً قد يفتح الباب أمام “لاعبين كبار” قد يُغيروا موازين السوق.

تحدٍّ للمركزي

وحول إمكانية سيطرة هذه الشركات على سوق الصرف وتشكل حالة من عدم الاستقرار والتذبذب بسعر صرف الليرة السورية قال ديب: نعم هذا احتمال وارد جداً فدخول شركات خاصة قوية إلى السوق بشكل رسمي يعطيها مساحة أكبر للحركة والتأثير، خصوصاً إذا كان حجم عملياتها أكبر من قدرة مصرف سورية المركزي على ضبطها.

وتابع: هذه الشركات قد تستخدم سيولتها ونفوذها للتحكم بالعرض والطلب، وبالتالي تؤثر على سعر الليرة السورية بشكل مباشر إذا حدث هذا التأثير بلا ضوابط واضحة، فإن النتيجة الطبيعية ستكون المزيد من التذبذب، وربما فقدان الثقة بالليرة السورية، لذلك الخطر ليس فقط بوجود شركات خاصة، بل بمدى قدرة مصرف سوريا المركزي على أن يكون المتحكم والضابط لإيقاع السوق.

اختبار المتحكّم

وحول الإجراءات التي يجب أن يتخذها مصرف سوريا المركزي لتجنب ذلك، أشار ديب إلى أن مصرف سوريا المركزي أمام اختبار صعب: كيف يفتح المجال لشركات الصرافة ويخلق منافسة، وفي الوقت نفسه كيف يمنع أي انفلات أو احتكار لسعر الصرف، لهذا عليه أن يجمع بين الضوابط الفنية والرقابة المالية الذكية.

أولاً: يجب أن يكون الترخيص مبنياً على الكفاءة والملاءة المالية، مع تدقيق صارم في هوية المالكين الفعليين للشركات حتى لا تكون مجرد واجهة لشبكات قديمة.

ثانياً: لا بدّ من وضع سقوف واضحة لحصة أي شركة في السوق، ومنع الاندماجات أو التكتلات غير الخاضعة للرقابة، حتى لا يتركز النفوذ بيد قلة.

ثالثاً: من الضروري إطلاق منصة تسعير مركزية تُنشر عليها أسعار الشراء والبيع بشكل يومي، ليصبح المواطن قادراً على مقارنة الأسعار وتجنّب الاستغلال.

رابعاً: يجب تحديد حدود قصوى للمراكز المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى الشركات، ما يمنع عمليات المضاربة الكبرى التي تقلب السوق خلال ساعات.

خامساً: يمكن اعتماد نظام “صانعي السوق”، حيث تُلزم بعض الشركات الكبرى بتقديم أسعار بيع وشراء بفوارق محدودة مقابل بعض امتيازات، ما يعزز الاستقرار.

وأخيراً، من الضروري بناء وحدة تحقق مالي قوية قادرة على متابعة التحويلات وكشف أي محاولات تواطؤ أو غسل أموال.

وبهذه المنظومة يصبح السوق أكثر عدلاً وتوازناً، ويبقى مصرف سوريا المركزي ممسكاً بخيوط اللعبة بدل أن يتركها بيد فاعلين أقوياء، وفقاً للخبير ديب.

شبكات بوجوه جديدة

ورداً على سؤالنا.. فيما إذا كان الجمع بين منح تراخيص جديدة ورفع القيود على حركة الأموال قد يعيد إنتاج شبكات احتكار العملة على غرار ما كان سائداً في السابق؟

قال ديب: السؤال مشروع، لأن التجربة السابقة في سوريا أظهرت أن غياب الضوابط والرقابة خلق شبكات ضيقة تحكمت بالعملة والاقتصاد معاً، واليوم إذا تمّ منح تراخيص جديدة مع رفع القيود عن حركة الأموال دون وضع قواعد منافسة صارمة ورقابة فعّالة، فالنتيجة ستكون إعادة إنتاج تلك الشبكات لكن بوجوه جديدة، أي “القلّة المسيطرة” تسيطر على السوق وتضع المواطن من جديد تحت رحمة حفنة من المتنفذين، كما حدث في السابق مع بعض رجال الأعمال الكبار.

أما إذا ترافق هذا الانفتاح مع رؤية شفافة تقوم على توزيع الفرص بعدالة ومنع الاحتكار ومراقبة دائمة لحركة السيولة، والكلام للخبير المصرفي، فإننا قد نكون أمام بداية مختلفة: سوق صرف أعمق وأكثر تنوعاً، يجذب تحويلات المغتربين عبر قنوات رسمية، ويعطي ثقة أكبر للقطاع المالي، بل وقد يشكل رافعة حقيقية لتمويل إعادة الإعمار ودعم النشاط الاقتصادي.

وختم حديثه بالقول: الخطر قائم، لكن الحل بيد مصرف سوريا المركزي، إما أن يكرر أخطاء الماضي بفتح الأبواب بلا ضوابط، أو يُحوّل هذه الخطوة إلى فرصة لتأسيس سوق حديث ومتوازن يخدم الاقتصاد والمواطن معاً.

في المحصلة كل ما قيل وسيُقال يبقى في إطار التحليل والتخمين والتوقع إلى أن تحسم ممارسات الأرض الوضع، والذي نتمناه أن يكون إيجابياً يُلغي الصورة السابقة لشركات الصرافة.

آخر الأخبار
ترامب يتحدث عن تقدم ملموس في العلاقات مع روسيا صيغة سوريا الموحدة تلقى إجماعاً دولياً.. والتقسيم فكرة خطيرة على المستوى العالمي الرئيس اللبناني: نسعى لتحسين العلاقات مع سوريا والارتقاء بها طارق الخضر: نطالب بتمديد ساعات استقبال الفواكه والخضار لتصديرها عبر المطار الروائي ثائر الزعزوع لـ "الثورة": الكتابة ورطة.. لا جائزة تقدم على طبق من ذهب نحو تعليم عصري ومستدام.. مراجعة التشريعات ورسم خارطة استثمارية لإعمار المدارس هوس المراهقين بالمشاهير.. بين الحلم والهاوية قطاع الجلديات على مفترق.. بين راحة المنتج وتعب المستهلك صراع الأجيال.. بين الماضي والحاضر انطلاق حملة لإصلاح شبكة الصرف الصحي في كفرسجنة لتعزيز البنية التحتية معاذ الخطيب يطرح رؤية شخصية لحماية وحدة سوريا ورفض الانقسام والتدخلات الخارجية رغم محاصرة النيران.. السبعينية زيزوف علي متمسكة ببيتها وأرضها بوابة لإحياء الاقتصاد وبناء المستقبل.. تحديد موعد المؤتمر الاستثماري الأول بحلب شعار "حق تقرير المصير" .. محللون: انفصال السويداء غير واقعي ولايستند إلى مقومات فعلية مجلة أميركية: عودة اللاجئين السوريين مرهونة بالأمن وإعادة الإعمار وضمان الحقوق عون يؤكد حرص لبنان على تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع سوريا تطبيقات عملية حول الرعاية والاهتمام بكبار السن .. فريق للرعاية الصحية لنوب السقوط عند المسنين إنتاجية الهكتار تصل إلى 10 أطنان.. عودة مبشرة لزراعة الذرة الصفراء في حلب تسوّل الأطفال.. الأسباب والحلول.. مافيات أَمِنت العقوبةَ فأساءت الأدبَ بين البلعوس و الهجري: اختبار جديد لوحدة السويداء ومستقبلها السياسي