فرنسا تلاحق الأسد دولياً.. مبدأ الولاية القضائية العالمية تصنع عدالة بلا حدود

الثورة- نور جوخدار:

خطوة جديدة في مسار الملاحقات القضائية الدولية، تعيد إلى الواجهة ملف محاسبة المتورطين في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين والصحفيين في سوريا، حيث أعلن القضاء الفرنسي إصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس المخلوع بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد وعدد من كبار مسؤولي نظامه من بينهم علي مملوك وعلي أيوب ورفيق محمد شحادة.

جاء ذلك على خلفية ختام مسار تحقيق قضائي يتعلق بقصف حي باب عمرو في حمص في شباط 2012، والذي أودى بحياة الصحفية الأميركية ماري كولفين والمصور الفرنسي ريمي أوشليك، وبذلك أنهى القرار جدل الحصانة السياسية، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المحاسبة الدولية، في وقت أعلنت فيه الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في سوريا نيتها عن إعداد ملفات الادعاء والتعاون مع الهيئات الدولية في المستقبل، لاستصدار مذكرات توقيف قضائية ومحاسبة المتورطين بدماء السوريين.

وحول الأبعاد القانونية والسياسية لهذه المذكرات وأثرها على مسار العدالة الانتقالية في سوريا، أكد المحامي والأكاديمي السوري زهير مارديني في لقاء خاص مع “الثورة “، أن إصدار القضاء الفرنسي لمذكرات توقيف بحق بشار الأسد وكبار أعوانه يكرّس مبدأ أن الجرائم الدولية الجسيمة، كالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، لا تسقط بالتقادم.

وأوضح أن المذكرات تستند إلى المادة 113-7 من القانون الجنائي الفرنسي (Code pnal) التي تجيز الملاحقة إذا كان الضحية فرنسياً، وإلى المواد 689 وما يليها من قانون أصول المحاكمات الجزائية (CPP) التي تُقرّ بالاختصاص العالمي.

وهكذا، يثبت القضاء الفرنسي أن العدالة لا تقف عند حدود الجغرافيا، وأن الجرائم الموجهة ضد كرامة الإنسان تظل خاضعة للسلطة القضائية مهما علا مرتكبها.

وحول تعليق باريس سابقاً مذكرات بحق الأسد بحجة الحصانة، يقول مارديني، في السابق كان المخلوع يتمتع بحصانة شخصية مطلقة كونه رئيساً للجمهورية، وهو ما منع أي ملاحقة ضده، بل إن محكمة النقض الفرنسية ألغت مذكرة توقيف صدرت بحقه مستندة إلى القانون الدولي العرفي الذي يحظر توقيف أو محاكمة رئيس دولة أثناء ممارسته مهامه.

وأضاف أن الوضع تبدّل اليوم، بزوال منصبه زالت معه تلك الحصانة، ليغدو خاضعاً للقضاء كأي فرد آخر، مشيراً إلى أن فقهاء بارزون في فرنسا- مثل كلير مارتيش وميريل ديلماس- مارتي – ذهبوا إلى أن الحصانة لا يجوز أن تكون درعاً لمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، حتى ولو كانوا في أعلى المناصب، ومع ذلك لم يقنع هذا محكمة النقض الفرنسية بأن تصدق على مذكرة توقيف ضد رئيس دولة، واليوم، انتفت هذه الحصانة، ولم يعد هناك حاجز قانوني يحول دون مباشرة القضاء الفرنسي لإصدار مذكرات التوقيف.

وحول إمكانية تنفيذ هذه المذكرات فعلياً، خصوصاً أن المطلوبين خارج الأراضي الفرنسية، يبين المحامي والأكاديمي أن تنفيذ هذه المذكرات مشروط بعنصرين:أولاً: أن يوجد المتهم على الأراضي الفرنسية أو في دولة متعاونة، وفقاً للمادة 1-689 CPP.

ثانياً: استعداد المجتمع الدولي للتعاون عبر الإنتربول أو الاتفاقيات الثنائية.

وأشار إلى أن الاحتمال العملي يظل ضعيفاً ما دام الأسد وأعوانه متحصنين داخل أراضٍ غير خاضعة للتعاون، لكن القيمة القضائية والرمزية للمذكرات عظيمة، فهي تحوّلهم إلى مطاردين دولياً، وتضيّق من هامش حركتهم، وتعزلهم سياسياً، كما أنها تدعم سردية الثورة أمام حكومات الغرب التي تشهد وجوداً وصعوداً لاتجاه اليمين المتطرّف المتحالف سابقاً مع النظام البائد والمتبني لسرديته، لذلك يرى أنه من الضرورة استمرار المعركة القانونية الدولية على الأرض الأوروبية لكسب الرأي العام الغربي.

وعن احتمال أن تحذو دول أخرى حذو فرنسا استناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، يرى مارديني الاحتمال قائماً بقوة، وأن التجربة الألمانية في محاكمة ضباط من النظام السوري تُشكل دليلاً على أن مبدأ الولاية القضائية العالمية آخذ في الاتساع لدى أجهزة القضاء الغربية، وكما نصّت عليه المواد 689-2 و689-11 CPP، وأن الفقه الفرنسي بدوره يشجع على تعميم هذا النهج باعتباره خطوة نحو “عدالة بلا حدود”، حيث تتحول المحاكم الوطنية إلى أدوات إنفاذ للضمير الإنساني العالمي.

وحول العلاقة بين الملاحقات القضائية الدولية وجهود العدالة الانتقالية التي تشكّلت بموجب المرسوم الرئاسي رقم 20 الصادر عن الرئيس أحمد الشرع في أيار الماضي، يؤكد المحامي أن العلاقة بين المسارين علاقة تكامل لا تعارض، موضحاً أن الملاحقات الدولية القائمة على الاختصاصات الواردة في المواد 113-7 CP و689 CPP، تمنح الشرعية والدعم لمسار العدالة الانتقالية الوطني.

وفقاً لمارديني، فإن الفقه الفرنسي شدّد – وعلى رأسه ميريل ديلماس- مارتي- على أن العدالة الدولية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تندمج مع آليات العدالة الوطنية لتعيد الثقة إلى المجتمع وتضمن عدم تكرار المأساة.

وعما إذا كانت هذه المذكرات تمهد لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، أكد الأكاديمي أن ذلك يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وأنها تمثل خطوة نوعية، لكنها لا تكفي بمفردها لإحالة الملف إلى لاهاي.

ونوّه بأن الفقه الفرنسي يرى في تراكم المذكرات الوطنية المبنية على المواد 689 وما بعدها CPP يُشكل ضغطاً متزايداً على المجتمع الدولي، وما كان في السابق متعذراً بسبب الحصانة التي كان يتمتع بها الأسد بصفته رئيساً، أصبح اليوم ممكناً بزوال تلك الحصانة، ما يفتح الطريق أمام مسارات قضائية أوسع قد تنتهي بإحالة الملف إلى لاهاي، لكنه يفضل القضاء الوطني وهيئة العدالة الانتقالية في سوريا.

وعن دور الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية في دعم أو متابعة هذه المذكرات الدولية يشير مارديني إلى أن الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية هي الجهة الأقدر على أن تكون حلقة الوصل بين القضاء الوطني والدولي، فهي قادرة على تزويد المحاكم الفرنسية والأوروبية بالوثائق والشهادات، بما يعزز المذكرات الصادرة استناداً إلى 113-7 CP و689 CPP، والفقه الفرنسي يقرّ بأن مشاركة المؤسسات الوطنية في هذا المسار هي التي تُحوّل المذكرات من مجرد أدوات رمزية إلى سلاح قضائي فعّال يخدم الضحايا ويكرّس بناء دولة القانون في سوريا الجديدة.

بهذا القرار، لم يعد الأسد ومن حوله مجرد رموز سياسية فقدت سلطتها، بل أصبحوا مطلوبين دولياً في قضايا جنائية جسيمة، ورغم أن الطريق إلى العدالة طويل، فإن المذكرات الفرنسية شكّلت نقطة تحول تؤكد أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم وأن العدالة وإن تأخرت قادرة على اللحاق بمرتكبيها.

آخر الأخبار
عودة 474018 سورياً من تركيا منذ كانون الأول الماضي الخوذ البيضاء تحذر من مخاطر السرعة وتكشف إحصائية حوادث السير الرئيس الشرع يُشارك في حفل تخرج طلاب جامعة إدلب ومن بينهم عقيلته من الجفاف إلى الهجرة.. حكايات من قلب الريف المنسي زيادة بطيئة في عودة السوريين من ألمانيا تعوقها التحديات مظاهرة تاريخية للمعارضة الإيرانية في بروكسل بمشاركة غفيرة من الجاليات السورية في أوروبا اقتصاد سوريا بعد الحرب.. تدفق الشركاء الأجانب رغم المخاطر هل مستعدون للعودة إلى المدارس؟ الأهل وأبناؤهم بين الضيق وتأمين المستلزمات عودة الصفقات الضخمة.. مؤشر إيجابي لنشاط استثماري شهر المونة والعودة للمدرسة..ضغوط اقتصادية ترهق الأسر مشروع القانون المالي الجديد.. استقلالية أم تحميل أعباء إضافية؟ العميد غسان باكير يعلق على جريمة قتل أب لأسرته في ريف إدلب لقاء في إدلب يجمع الهيئة الوطنية للمفقودين بعائلات المعتقلين.. تأكيد على الشفافية والتواصل ارتفاع متواصل لأسعار اللحوم الحمراء في أسواق طرطوس "إسرائيل " تستهدف"جائعي غزة".. وتدمر الأبراج السكنية فرنسا تلاحق الأسد دولياً.. مبدأ الولاية القضائية العالمية تصنع عدالة بلا حدود من مشروع متناهي الصغر إلى الحصول على العلامة المسجلة سوريا الجديدة في الاستراتيجية الأميركية.. دعم سيادة الدولة ووحدة أراضيها وسط توافق جمهوري ديمقراطي.. هل اقترب الكونغرس من إلغاء قانون قيصر؟ بسبب تراجع الإنتاج.. مزارعو حماة يطالبون بتأجيل الديون الزراعية وتقسيطها