اقتصاد سوريا بعد الحرب.. تدفق الشركاء الأجانب رغم المخاطر

الثورة- ترجمة هبه علي:

التحول الأبرز في إعادة بناء الاقتصاد السوري، هو تحركات الحكومات الغربية لتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق أو إلغائها بالكامل، في محاولة منها لإعطاء فرصة للاقتصاد الناشئ في البلاد. ففي منتصف أيار، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيرفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، (وهي عملية لا تزال جارية، ولكنها اكتملت إلى حد كبير في أواخر حزيران)، في أعقاب خطوات مماثلة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

إن تخفيف العقوبات- الذي أبقى مع ذلك قيوداً فردية على الرئيس المخلوع بشار الأسد وأعضاء نظامه- يقلل من المخاطر التنظيمية في التعامل مع الحكومة في دمشق، ما يمهد الطريق لتجديد الالتزامات الإقليمية والدولية، وإعادة دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الإقليمية والعالمية، من خلال تسهيل المعاملات وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي الأسابيع والأشهر التي تلت سقوط نظام المخلوع مباشرة، قدم الشركاء الأجانب -وأبرزهم دول الخليج العربي- دعماً أساسياً ولكنه حاسم للدولة السورية الناشئة. وخلال الأشهر القليلة الماضية، انتقلت شراكات سوريا الاقتصادية مع الحكومات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات من مجرد البقاء إلى التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، في ظل سعي دمشق الدؤوب لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

في منتصف أيار، وبعد أيام قليلة من إعلان إدارة ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، وقعت سوريا صفقة بقيمة 800 مليون دولار مع شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس، وهي أول صفقة كبرى من نوعها بعد رفع العقوبات، وهي تتوافق مع آمال دمشق في أن يكون قطاع النفط والغاز، الذي كان خامداً إلى حد كبير في عهد النظام السابق، حجر الزاوية في اقتصاد ما بعد الحرب. وقد حفز التفاؤل بشأن انتعاش القطاع موجة من الصفقات والدراسات ومذكرات التفاهم في الأشهر الأخيرة، وقد أفادت التقارير أن شركة أرامكو السعودية فوضت فريقاً لتقييم شروط الشراكة؛ وأعلن اتحاد من ثلاثة منتجين رئيسيين للنفط في الولايات المتحدة عن نيتهم وضع “خطة رئيسية” لقطاع الطاقة في سوريا بقيادة المنتجين الأمريكيين؛ واتفقت العراق وسوريا على دراسة إصلاح خط أنابيب كركوك- بانياس التالف؛ وأشار البنك الدولي إلى دعمه لإحياء الطاقة في البلاد بعد اجتماعات الربيع؛ واجتمعت شركات النفط الكبرى الفردية، بما في ذلك “جلف ساندز”، مع ممثلي الحكومة لمناقشة مشاريع التنمية الفردية. وبدأت الصفقات تؤتي ثمارها، ففي الأول من هذا الشهر، صدّرت سوريا أول شحنة من النفط الخام منذ 14 عاماً، (600 ألف برميل من الخام الثقيل من ميناء طرطوس).

كما تسعى سوريا أيضاً إلى إعادة إحياء قطاعها السياحي النابض بالحياة، والذي تكبد خسائر تقدر بـ 2.3 تريليون دولار منذ عام 2011، وفي تموز الماضي، وقعت الحكومة السورية صفقة بقيمة 14 مليار دولار- منها 4 مليارات دولار من قطر، التي نظمت أولى الرحلات التجارية إلى سوريا بعد الحرب- لبناء مطار دمشق الجديد، وتشمل الصفقة مبلغ 250 مليون دولار مخصصاً لشراء ما يصل إلى 10 طائرات جديدة للناقل الوطني السوري، كما درّبت وزارة السياحة السورية مجموعة من “شرطة السياحة” لتعزيز أمن الزوار، في محاولة لمعالجة خطر العنف الذي لا يزال أكبر رادع للزوار. سيستفيد الشركاء الأجانب، وخاصة تركيا ودول الخليج العربية، من إعادة الإعمار، وتشير تقديرات بلومبرغ إيكونوميكس إلى أن تركيا قد تحصل على زيادة قدرها 0.06% سنوياً في ناتجها المحلي الإجمالي، من عقود إعادة الإعمار التي تتمتع الشركات التركية بمكانة جيدة للفوز بها، بالإضافة إلى انتعاش الصادرات.

كما ستستفيد دول الخليج العربية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، من عقود البنية التحتية وتجدد التجارة، وقد بدت سوريا منفتحة على نماذج شراكة شاملة بنظام البناء والتملك والتشغيل (BOO)، والتي تمنح الحكومات الأجنبية والشركات متعددة الجنسيات حقوق ملكية وسيطرة كبيرة على الصناعات والمرافق السورية الرئيسية- ففي منتصف مايو/ أيار على سبيل المثال، وقّعت سوريا مذكرة تفاهم بقيمة 7 مليارات دولار مع ائتلاف بقيادة قطرية لتطوير حوالي 5000 ميغاواط من الكهرباء عبر توربينات الغاز والطاقة الشمسية، وهي سلسلة من التطورات التي ستكون حجر الزاوية في شبكة الكهرباء السورية بعد الحرب، وستُحوّل قطاعاً تهيمن عليه مؤسسات الدولة إلى كيانات خاصة مملوكة لأجانب.

وقد أثار نموذج “الاستحواذ على الملكية الخاصة” بعض ردود الفعل السلبية من جانب السوريين الذين يشعرون بأن دمشق تقدم للحكومات الأجنبية صفقة أفضل مما ينبغي – ولكنها نجحت في جذب الشركاء، وهو ما يشكل على الأرجح الشاغل الأكبر لإدارة الرئيس أحمد الشرع، ومع ذلك توجد فرص كبيرة لأولئك الذين لديهم قدرة أكبر على تحمل المخاطر، أو الكثير ليستفيدوا من سوريا مستقرة ومزدهرة.

سوريا تبحث عن شركاء أجانب لإعادة بناء بنيتها التحتية الأساسية بشكل أساسي وإعادة تأسيس قاعدتها الصناعية – بما في ذلك توليد الطاقة والتصنيع الأساسي.

بالإضافة إلى صفقات البناء والتملك والتشغيل الأكثر انخراطا للاستثمارات الكبرى في البنية التحتية والصناعة.

تجري سوريا عمليات شراء كبيرة في الخارج (مثل صفقة شراء 10 طائرات جديدة للخطوط الجوية السورية)، وتبحث عن شركات لإنشائها داخل حدودها لأول مرة، في حين أن الكيانات التركية والخليجية في وضع جيد للقيادة في هذه المجالات، إلا أنها ليست الدول الوحيدة التي تشارك بنجاح – فقد عقد القادة السوريون اجتماعات ووقعوا مذكرات تفاهم مع الوكالات والشركات متعددة الجنسيات من كل دولة رفعت العقوبات ومهتمة بإبرام صفقة.

إن نجاح التعافي الاقتصادي السوري بعد الحرب ستكون له آثار تتجاوز مجرد عوائد الاستثمار، فإذا فشلت حكومة الشرع في تحفيز الانتعاش الاقتصادي وخلق فرص واضحة للسوريين، فإنها تخاطر بفقدان الشرعية والتأييد المحلي اللازمين للحفاظ على الاستقرار، وفي غيابها قد يتصاعد التشرذم والعنف الطائفي، مما يدفع البلاد إلى الانزلاق مجددا إلى وضع الدولة الفاشلة، وستؤثر الفوضى الناتجة سلباً على المنطقة بأسرها، مما قد يمكن “داعش” والجماعات المدعومة من إيران من استخدام البلاد كملاذ آمن ومنصة انطلاق، ونقل الأسلحة إلى حلفائها، وتنفيذ هجمات على إسرائيل وأماكن أخرى.

 

آخر الأخبار
بين الآمال والتحديات.."التربية" بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج "العودة إلى المدرسة".. مبادرة لتخفيف الأعباء ودعم ذوي الطلاب "بصمة فن" في جبلة.. صناعة وبيع الحرف اليدوية إسرائيل تبدأ هجوماً مكثفاً على غزة المشاريع السعودية في سوريا.. من الإغاثة الإنسانية إلى ترسيخ الحضور الإقليمي أجهزة إنارة بالطاقة الشمسية في "أم باطنة" بالقنيطرة يعزز ارتباط الطلاب بوطنهم..التعليم الافتراضي لدمج التكنولوجيا بالتربية والتعليم "اليوغا".. رحلة روحية تزرع السلام الداخلي "وزارة الحرب" والرمزية التاريخية للتسمية.. استدعاء الماضي لتبرير الحاضر إشراك المجتمع المدني بالانتخابات التشريعية.. خطوة نوعية في طريق الديمقراطية معهد التربية الخاصة للمعوقين سمعياً.. قدرات مميزة رغم التحديات عودة 474018 سورياً من تركيا منذ كانون الأول الماضي الخوذ البيضاء تحذر من مخاطر السرعة وتكشف إحصائية حوادث السير الرئيس الشرع يُشارك في حفل تخرج طلاب جامعة إدلب ومن بينهم عقيلته من الجفاف إلى الهجرة.. حكايات من قلب الريف المنسي زيادة بطيئة في عودة السوريين من ألمانيا تعوقها التحديات مظاهرة تاريخية للمعارضة الإيرانية في بروكسل بمشاركة غفيرة من الجاليات السورية في أوروبا اقتصاد سوريا بعد الحرب.. تدفق الشركاء الأجانب رغم المخاطر هل مستعدون للعودة إلى المدارس؟ الأهل وأبناؤهم بين الضيق وتأمين المستلزمات عودة الصفقات الضخمة.. مؤشر إيجابي لنشاط استثماري