الشعب يريد إسقاط العميد.. انتفاضة أم ثورة جديدة أم طلب حكم ذاتي في المعهد العالي للفنون المسرحية؟

د. عبد القادر المنلا:

الاحتجاجات والاعتصامات التي قام بها طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية وأساتذته ملأت الفضاء الثقافي منذ أيام، وتحديداً بعد قرار وزير الثقافة القاضي بتعيين الفنان غطفان غنوم عميداً للمعهد.

وبصرف النظر عن تقاعس أولئك الطلبة والأساتذة عن المشاركة في الثورة الحقيقية التي استمرت أربعة عشر عاماً، ثورة الشعب السوري ضد تجاوزات النظام وفساده ومن ثم إجرامه اللامحدود، حيث لم يشارك الطلبة المذكورون ولا أساتذتهم بكلمة واحدة أو حتى بوضع “لايك” لمنشور يتحدث عن جرائم النظام البائد، بصرف النظر عن ذلك كله، فقد كان هؤلاء الثوار الجدد متماهين تماماً مع منظومة القتل والإجرام، ربما كان بعضهم ضدها بصمت، ولكن الغالبية العظمى منهم لم يترددوا بدعم تلك الجرائم وتحويلها إلى بطولات بهدف التقرب من سلطات الأسد وإعلان الولاء المطلق بمناسبة أو بدون مناسبة.. آخر مظاهر الولاء المطلق التي قدمها طلبة المعهد وأساتذته وإداريوه، ليس لنظام الأسد وحده، بل أيضاً لحليفه الإيراني، تمثلت في الزيارة الذليلة التي قام بها كادر المعهد إلى طهران قبل فترة من سقوط الأسد، وقد أعربوا حينها عن سعادتهم بتلك الزيارة باعتبارها كانت نوعاً من التبادل الثقافي والفكري، من دون أن يحتجوا على توظيفهم كأدوات سياسية تخدم أجندة الأسد وإيران معاً.

لم يعترض طلبة المعهد وأساتذته حينها على زيارة عاصمة قاتلي الشعب السوري ومحتلي سوريا، فقد كانت إيران وقواتها العسكرية والدبلوماسية وميليشياتها الطائفية وطقوسها وشعائرها الدينية المستفزة تدنس أرض دمشق والكثير من المدن السورية، حينها لم ينتبه أساتذة المعهد وطلابه إلى كل تلك التجاوزات، بل كانوا راضين بكل ما يحدث، ومؤيدين له.

وفي ذلك الوقت من عهد الأسد الهارب، كانت رواتب مدرسي المعهد أقل بأضعاف مما يتقاضونه حالياً، – مع الإقرار بأن الرواتب الحالية ليست كافية-، ولكنهم لم يحتجوا ولم يتجرؤوا في القول حينها إنها رواتب معيبة، كما يفعلون اليوم.. ورغم تحسن أحوال الرواتب مقارنة بما كانت عليه في الماضي، يستيقظ اليوم فقط شعور الظلم عند المدرسين وتابعيهم الطلبة، وتنطلق شرارة ثورتهم الجديدة، والتي يحددون أسبابها بعاملين أساسيين: أولهما ضعف الرواتب والأجور، وثانيهما وهو الأهم: المخالفات القانونية والإدارية التي ترتكبها الوزارة وخاصة فيما يتعلق بتعيين عميد من خارج ملاك الهيئة التدريسية.

ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى أن المعهد خلال السنوات السابقة، أي منذ العام ٢٠١١ وحتى ما قبل التحرير، ارتكب كثيراً من تلك المخالفات، بل يمكن القول: إنه نادراً ما التزم بالقانون الداخلي للمعهد، وكانت التعيينات وكل القرارات الأخرى بما فيها قبول الطلبة وامتحاناتهم وتخرجهم وعملهم في المعهد، كل ذلك كان يستند إلى قرارات أمنية ولا يتوافق مع القانون الداخلي للمعهد، تم حينها تعيين الكثير من الأساتذة والإداريين بشكل مخالف للقانون وبشكل صارخ، وتم تجاوز القانون في الكثير من التفاصيل الأخرى، وكان الأساتذة الثائرون اليوم يعرفون ذلك جيداً ولكنهم كانوا صامتين عليه أو متواطئين معه لأنه يتقاطع مع مصالحهم.

وفي شعارات ثورتهم الخاصة بمخالفات قانون المعهد ولوائحه الداخلية، يبدو الجهل التام مسيطراً على الأساتذة والطلبة معاً، ففي الشعارات التي طرحوها وفي المقابلات التي بثت لهم عبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي لم يتحدث أحد منهم عن التراتبية الأكاديمية التي يفترض أن تكون الأساس في المنظومة الإدارية للمعهد باعتباره كلية علمية لا مدرسة تمثيل للهواة، لم نجد لدى أحدهم دقة في توصيف الكادر التدريسي، فهم يخلطون بين الأستاذ والمدرس والمعيد والمساعد على سبيل المثال، وهي المفاتيح الأساسية لمعرفة الهرمية العلمية والأكاديمية المعمول بها في كل الأكاديميات المماثلة.

معظم أساتذة المعهد في الفترة الأخيرة هم خريجون جدد كان مرضياً عنهم من قبل القيادة ومعظمهم لا يمتلك خبرة متدرجة في التدريس، وأغلبهم لم يتابع دراسته الأكاديمية، ومع ذلك فهم يستندون إلى قرارات تعيينهم الصادرة من القصر الجمهوري أو بطلب من أجهزة الأسد الأمنية ويعتبرونها قرارات شرعية، وإذا ما تم تعيين عميد من قبل الإدارة الجديدة، فياللكارثة، هنا فقط ينتبهون إلى مخالفة اللائحة الداخلية للمعهد، ويرون في ذلك سبباً كافياً للثورة.

وفي الواقع فإن معظم أساتذة المعهد وإدارييه الذين يحتجون اليوم ضد قرار الوزير تعودوا على نظام المافيا الأسدية وكانوا قد ساهموا في تحويل المعهد إلى مافيا صغيرة تابعة للمافيا الكبيرة التي كانت تنهب سوريا وتقتل شعبها، مافيا يتقاسمون من خلالها المنافع والمكاسب، وكل ثورتهم الحالية ما هي إلاّ بدافع الحفاظ على المكاسب التي باتت مهددة فيما لو اخترق

المنظومة الحالية شخص لا ينتمي لها، إن احتجاجاتهم في العمق تمثل تخوفاتهم على مصالحهم الضيقة وليس على مصلحة المعهد وطلبته وقوانينه.. يقف أعضاء المافيا المسرحية اليوم من مدرسين وإداريين وبعض الطلبة الذين تم تجنيدهم في تلك المافيا، يقفون صفاً واحداً ويعلنون ثورتهم المتأخرة أربعة عشر عاماً ليرددوا في صوت واحد: الشعب يريد إسقاط العميد، وهم يريدون إسقاطه قبل أن يستلم منصبه ودون أن يعطوا له ولأنفسهم الفرصة في تجريب ما سيقدمه العميد المقترح، وهذا وحده دليل كاف على أن تلك الثورة هي ثورة مصالح ومنافع مهددة، وليست ثورة تهدف إلى الحفاظ على القوانين الداخلية للمعهد والتي تم اختراقها على مدار سنوات حتى تهتكت تماماً، ولكن المحتجين لا يرون سوى هذا الخلل في تعيين العميد..

هنا لا بد من الإشارة إلى أن تعيين الفنان غطفان غنوم كعميد للمعهد العالي للفنون المسرحية لا يصح قانوناً، ولكن الاحتاج عليه صدر ممن لا يحق لهم الاحتجاج بسبب هشاشة وضعهم القانوني، ولكن في ظل الخريطة الحالية يمكن للفنان غنوم أن يلعب دوراً إيجابياً في مرحلة انتقالية يمكن أن يعول عليها لاحقاً في إعادة الصبغة الأكاديمية الحقيقية لهذا الصرح الحضاري الذي يُنتظر منه تخريج فنانين ذوي مشاريع ثقافية كبرى، وليس مجرد ممثلين أو نقاد أو راقصين يبحثون عن فرص تعيّش من خلال فكر المافيا ذاته الذي تعلموه جيداً على يد أساتذتهم ممن جاؤوا إلى المعهد بالوساطة، واستمروا فيه بحكم هيمنة الأجهزة الأمنية وتحكمها في كل شاردة وواردة في عهد المخلوع، واليوم فقط يستيقظون على مناخ الحرية الجديد للمطالبة بما كان أجدى بهم أن يطالبوا به من قبل، ويجدون في هذا المناخ فرصة لتظْهير أنفسهم كثوار حريصين على القانون الذي طالما اخترقوه، ويظهر بالتالي أنهم يعرفون حقوقهم جيداً ولكنهم لا يعرفون واجباتهم ولا حقوق المعهد عليهم، تماماً كما تعامَوا عن حقوق البلد وحق المواطن في الحياة خلال السنوات السابقة..إن طلبات أساتذة المعهد في هذا السياق لا تختلف كثيراً عن طلبات الحكم الذاتي التي تطرحها بعض الأطراف السياسية، وقد وجدوا في عدم قانونية تعيين الفنان غطفان غنوم كعميد للمعهد الخاصرة الرخوة التي يمكن من خلالها مقارعة وزارة الثقافة وتمرير كلمة الحق التي يراد بها باطل.

وفي النهاية لا بد من تذكير المحتجين أن تطبيق القانون الذي يحتجون على مخالفته، تطبيق هذا القانون بالشكل الحقيقي سيؤدي إلى خسارة الكثير منهم لوظائفهم لأسباب أكاديمية بحتة لا يعلمون هم شيئاً عنها كما هو واضح من تصريحاتهم. وللحديث صلة..

“عضو الهيئة التدريسية ورئيس قسم الباليه في المعهد العالي للفنون المسرحية سابقاً”

آخر الأخبار
وجوه الثورة السورية بين الألم والعطاء يطالبون بتثبيت المفصولين.. معلمو ريف حلب الشمالي يحتجّون على تأخر الرواتب تقصير واضح من البلديات.. أهالٍ من دمشق وريفها: لا صدى لمطالبنا بترحيل منتظم للقمامة ماذا لو أعيد فرض العقوبات الأممية على إيران؟ "زاجل" متوقف إلى زمن آجل..مشكلة النقل يوم الجمعة تُقّيد حركة المواطنين في إدلب وريفها الدولة على شاشة المواطن..هل يمكن أن يرقمن "نيسان 2026" ثقة غائبة؟ تعزيز الشراكة السورية- السعودية في إدارة الكوارث بين الآمال والتحديات.."التربية" بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج "العودة إلى المدرسة".. مبادرة لتخفيف الأعباء ودعم ذوي الطلاب "بصمة فن" في جبلة.. صناعة وبيع الحرف اليدوية إسرائيل تبدأ هجوماً مكثفاً على غزة المشاريع السعودية في سوريا.. من الإغاثة الإنسانية إلى ترسيخ الحضور الإقليمي أجهزة إنارة بالطاقة الشمسية في "أم باطنة" بالقنيطرة يعزز ارتباط الطلاب بوطنهم..التعليم الافتراضي لدمج التكنولوجيا بالتربية والتعليم "اليوغا".. رحلة روحية تزرع السلام الداخلي "وزارة الحرب" والرمزية التاريخية للتسمية.. استدعاء الماضي لتبرير الحاضر إشراك المجتمع المدني بالانتخابات التشريعية.. خطوة نوعية في طريق الديمقراطية معهد التربية الخاصة للمعوقين سمعياً.. قدرات مميزة رغم التحديات عودة 474018 سورياً من تركيا منذ كانون الأول الماضي الخوذ البيضاء تحذر من مخاطر السرعة وتكشف إحصائية حوادث السير