الثورة- منذر عيد:
أثار توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أمر تنفيذي يقضي بتغيير تسمية وزارة الدفاع إلى “وزارة الحرب” جدلاً واسعاً، سواء من حيث الدلالات الرمزية أو القانونية والسياسية، فالخطوة، وإن كانت ذات دلالة خطابية أكثر من كونها إجراء عملياً قابلاً للتنفيذ المباشر، فهي تحمل معاني متعددة على مستوى الداخل الأميركي، كما على مستوى صورة الولايات المتحدة في العالم. من الناحية التاريخية، فإن مصطلح “وزارة الحرب” ليس جديداً على المؤسسات الأميركية، فمنذ تأسيس الولايات المتحدة عام 1789، أنشئت هذه الوزارة للإشراف على الجيش والبحرية ومشاة البحرية، غير أن التوسع المؤسسي للقوات المسلحة وتزايد تعقيدات الإدارة العسكرية دفع إلى إنشاء وزارة مستقلة للبحرية عام 1798، ثم لحقت بها القوات الجوية لاحقاً، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، برزت الحاجة إلى إعادة هيكلة كاملة للمنظومة العسكرية بما يتناسب مع الدور الأميركي العالمي الجديد، فجاء “قانون الأمن القومي” عام 1947 ليؤسس “مؤسسة عسكرية وطنية” برئاسة وزير الدفاع، وهو الاسم الذي استقر بعد تعديل القانون عام 1949، ومنذ ذلك الحين، ارتبطت تسمية “وزارة الدفاع” بخطاب رسمي يقدم الولايات المتحدة باعتبارها قوة تسعى إلى الحماية لا إلى العدوان.
إلا أن عودة ترامب إلى المصطلح القديم تعكس نزعة سياسية وشعبوية تستهدف في جوهرها أمرين، أولهما، إعادة صياغة الخطاب الأميركي، فترامب يهوى المفردات المباشرة التي تتجنب المواربة، ويرى أن تسمية “وزارة الدفاع” لا تعكس حقيقة الدور الأميركي العالمي الذي يقوم في جزء كبير منه على التدخلات العسكرية والهجمات الاستباقية، أكثر مما يقوم على “الدفاع” التقليدي، والأمر الثاني هو تحدي المؤسسات التقليدية، عبر طرح تسمية مثيرة للجدل، وهنا يواصل ترامب سياسته المألوفة في زعزعة الثوابت البيروقراطية، وإعادة فتح ملفات تعتبر مستقرة تاريخياً، في محاولة لتأكيد أنه يقف على مسافة من “الدولة العميقة”.
رغم توقيع ترامب على الأمر التنفيذي، إلا أنه على المستوى القانوني، لا يمتلك، ولا أي رئيس أميركي صلاحية منفردة لتغيير تسمية وزارة بحجم وأهمية وزارة الدفاع، إذ أن الأمر يتطلب تشريعاً من الكونغرس، وهو ما يجعل خطوته أقرب إلى رسالة رمزية موجهة إلى قاعدته الشعبية، أكثر من كونها مشروعاً مؤسسياً قابلاً للتحقق.على المستوى الدولي، فإن مجرد إعادة طرح تسمية “وزارة الحرب” قد ينعكس سلباً على صورة الولايات المتحدة في الخارج، حيث سيتم النظر إليها بوصفها اعترافاً صريحاً بالطابع الهجومي للسياسة الأميركية، وتتناقض مع الخطاب الدبلوماسي الذي يسعى عادة إلى تلطيف دور القوة العسكرية وتغليفه بعبارات “الدفاع عن الحرية” و”حماية الأمن العالمي”.
في المحصلة، يمثل توقيع ترامب محاولة لإعادة كتابة الرمزية اللغوية للمؤسسة العسكرية الأميركية، في اتجاه يتماهى مع خطابه القومي الصدامي، لكنه يظل، في غياب موافقة الكونغرس، مجرد خطوة خطابية تحمل قيمة دعائية أكثر منها تغييراً فعلياً في البنية السياسية والمؤسسية للدولة الأميركية.