الثورة – إيمان زرزور
يكشف إعلان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية عن حزمة واسعة من المشاريع في سوريا، وعن توجه سعودي متنامٍ نحو تعزيز الحضور المباشر في الملف الإنساني السوري، تلك المشاريع التي طالت قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والإعمار ليست مجرد مبادرات إغاثية تقليدية، بل تحمل أبعاداً سياسية واستراتيجية تؤكد أن الرياض تسعى إلى تثبيت موقعها كشريك أساسي في مرحلة إعادة البناء بعد الحرب في سوريا.
توزعت المشاريع بين تأهيل شبكات الصرف الصحي في القابون، وترميم الآبار في ريف دمشق، وإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل المقرات الرسمية والمدارس، كما شملت برامج دعم التعليم من خلال ترميم 34 مدرسة في حلب وإدلب وحمص، ما يعكس إدراكاً لأهمية التعليم كمدخل لبناء الاستقرار المجتمعي.
وفي الجانب الصحي، تم الإعلان عن تجهيز 17 مستشفى مركزياً وتأمين أجهزة غسيل الكلى، إلى جانب إنشاء مركز صحي جديد وتدشين 61 مشروعاً تطوعياً يغطي 45 تخصصاً، وهو ما يشير إلى مقاربة شاملة تستهدف إعادة بناء القطاع الطبي المتهالك.
ولم يقتصر الحضور السعودي على المشاريع الخدمية، بل شمل أيضاً مبادرات اجتماعية واقتصادية مثل مشروع “بسمة أمل” لرعاية الأيتام في ريف دمشق وحمص وإدلب، ومشروع “سبع سنابل” لدعم 750 أسرة في شمال سوريا، إضافة إلى برنامج لدعم سلسلة إنتاج القمح وإعادة تأهيل المخابز المتضررة.
هذه المشاريع لا تهدف فقط إلى تخفيف المعاناة الإنسانية، بل تفتح الباب أمام إعادة تنشيط الاقتصاد المحلي وتعزيز الأمن الغذائي، وهما عنصران أساسيان لاستقرار أي عملية سياسية مستقبلية.
وتأتي المشاريع السعودية في وقت حساس يشهد تحولات في خريطة التحالفات الإقليمية، ودخول الرياض بقوة على خط إعادة الإعمار الإنساني يبعث برسالة مزدوجة: أولاً، دعم الشعب السوري بشكل مباشر بعيداً عن إرث نظام الأسد البائد، وثانياً، تثبيت دورها كفاعل إقليمي رئيسي في أي تسوية سياسية أو اقتصادية مقبلة.
كما أن هذه المشاريع تمثل رداً عملياً على محاولات أطراف أخرى، مثل إيران، احتكار النفوذ في سوريا عبر أدوات اقتصادية وخدمية.
ويعكس خطاب وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، الذي وصف التعاون مع مركز الملك سلمان بأنه “مرحلة جديدة من الشراكة”، استعداد الحكومة السورية الجديدة لفتح أبوابها أمام شراكات استراتيجية في المجال الإنساني والتنموي، هذا التلاقي بين الرياض ودمشق يؤسس لمرحلة قد تتجاوز حدود الدعم الإنساني إلى تعاون اقتصادي واستثماري أوسع، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
ما يميز الحضور السعودي في الملف السوري هو المزج بين الاستجابة الإنسانية العاجلة ورؤية بعيدة المدى لإعادة الإعمار، فالمشاريع التي أعلن عنها مركز الملك سلمان ليست مجرد مبادرات خيرية، بل أدوات دبلوماسية ناعمة تسعى لترسيخ دور الرياض كضامن للاستقرار وكمحرك رئيسي لإعادة بناء سوريا الجديدة.