بين الآمال والتحديات..”التربية” بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج

الثورة – لينا شلهوب:

التعليم ركيزة أساسية لأي مشروع نهضوي، وهو البوابة التي تعبر منها الشعوب نحو التنمية والازدهار، وفي هذا الإطار، جاءت تصريحات وزير التربية الأخيرة لتفتح ملفين في غاية الأهمية، هما تثبيت المعلمين وضمان حقوقهم من جهة، وإطلاق خطة شاملة لتطوير المناهج الدراسية من جهة أخرى، وهما قضيتان متلازمتان لا يمكن الفصل بينهما، فالمعلم المستقر هو القادر على تطبيق المنهاج الجديد، والمنهاج المتطور هو ما يمنح المعلم فرصة الإبداع وتحقيق الأثر التعليمي المرجو.

من صلب الاهتمام

وفي هذا السياق، بيّن وزير التربية والتعليم الدكتور محمد عبد الرحمن تركو في تصريح للإعلام أنه فيما يخص الكوادر التعليمية، ففي هذه النقطة لدينا أوضاع مختلفة جداً تندرج تحت عدة مسميات، منها المثبت والوكيل والعقد والساعات، لذا تسعى الوزارة لبذل الجهود من أجل الاهتمام بالمعلم، فهو من صلب اهتماماتها، من حيث التثبيت، ووضعه القانوني، وتحديد حقوقه المالية.

وبالنسبة لما يتعلق بالتأمين الصحي، أشار الدكتور تركو إلى أن الوزارة تأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار، إذ لدينا خطة للتعامل مع الوضع العام للمعلمين من الناحية المالية والعلمية، وكذلك من الناحية الصحية، ونعمل على هذا الشأن بالتعاون مع وزارة الصحة، لأن موضوع التأمين الصحي للموظفين هو لكل الموظفين في القطاع العام.

أما عن تغيير المناهج، فاعتبر الوزير أن تغيير المنهاج أصعب من تغيير الدستور، فهو موضوع دقيق جداً وله انعكاسات ثقافية، اجتماعية، فكرية، دينية وتعليمية، مضيفاً: إنه تم وضع خطة إسعافية، وخطة استراتيجية فيما يتعلق بالمناهج، إذ تنطلق الخطة الإسعافية بالاعتماد على المنهاج الحالي مع حذف كل ما يتعلق بالنظام البائد وما يتعلق بالتشويهات التاريخية التي حصلت في الفترة الماضية، وهذا المنهاج سيكون في العام القادم 2025- 2026.

أما على المدى الاستراتيجي- حسب الوزير، فستكون لدينا ورشة عمل نضع من خلالها معايير لبناء المنهاج الجديد، وهذا بالطبع سيأخذ وقتاً، لافتاً إلى أن المنهاج الجديد سيُبنى على المعايير العالمية، فنحن لا نعيش في جزيرة مستقلة عن العالم، والعالم يسير بمسارات متقدمة، لذا هناك مهارات مطلوبة من جميع الطلاب: مهارات رقمية، ومهارات تتعلق بالذكاء الاصطناعي، ومهارات تتعلق بالاستنتاج والتفكير، فإذا ما قمنا بتحليل المنهاج الحالي، نرى أنه يعتمد على المستويات الدنيا الثلاثة الأساسية في المهارات المعرفية: التذّكر، الفهم، التطبيق، مضيفا : نحن في مناهجنا الجديدة نسعى إلى المستويات العليا من المهارات المعرفية: التحليل، التقويم، الابتكار، كما نسعى أن يكون هذا الهرم المعرفي متكاملاً بالمستويات الستة من المهارات.

بين آمال المعلمين ومخاوفهم

تصريحات الوزير حول التثبيت أثارت اهتماماً واسعاً في الأوساط التعليمية، إذ يرى كثير من المعلمين أن الاستقرار الوظيفي هو الأساس الذي يُبنى عليه الأداء الجيد، تقول المعلمة يارا أبو عواد: لا يمكن لمعلم يعمل بنظام العقد أو الساعات أن يقدم أفضل ما لديه وهو قلق على لقمة عيشه، لذا فإن التثبيت يمنحنا الأمان، والدافع للإبداع.

فيما يوضح المختص التربوي راغب عبد السلام أن تطوير المناهج من دون تثبيت الكوادر هو عملية ناقصة، فالمعلم القلق على وضعه الوظيفي لا يستطيع مواكبة أي خطة تحديث، أما النقابات التربوية فقد شددت على ضرورة أن تتحول وعود التثبيت إلى قرارات عملية بجداول زمنية واضحة، بما ينهي حالة التوظيف المؤقت التي أنهكت آلاف المعلمين.

المعلم مازن أبو فخر، أوضح أن التعليم هو البوابة الكبرى لأي نهضة حقيقية، وهو السبيل الأمثل لإعداد أجيال قادرة على مواجهة تحديات العصر وصناعة المستقبل، لذلك يُنظر إلى السياسات التربوية والتعليمية على أنها قضايا سيادية، لا تقل أهمية عن السياسات الاقتصادية أو الأمنية، وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير التربية والتعليم الأخيرة لتضع النقاط على الحروف بشأن قضايا حساسة تشغل بال المعلمين والطلاب وأولياء الأمور على حد سواء، وخاصة موضوع تثبيت المعلمين من ناحية، وتطوير المناهج الدراسية من ناحية أخرى، وهذان المحوران يشكلان أساس العملية التعليمية وركيزتها، إذ لا يمكن الحديث عن تعليم راسخ من دون معلم مستقر حقوقياً ومالياً، ولا عن مخرجات نوعية دون مناهج متجددة تستجيب لمتطلبات العصر.

منعكسات تغيير المناهج

على الرغم من أن تطوير المناهج يواجه عادة تحديات معقدة، إلا أن إعلان الوزير عن خطة إسعافية وأخرى استراتيجية يفتح الباب أمام تحولات نوعية في العملية التعليمية، كما تقول المعلمة ثناء أبو فخر، وتضيف: إن التغيير سوف ينعكس على أكثر من مستوى، منها فيما يتعلق بالطالب، فإن ذلك سيساعده على الانتقال من التلقين إلى التفكير النقدي على اكتساب مهارات حياتية ومهنية أوسع، فيما ستعزز المهارات الرقمية والمرتبطة بالذكاء الاصطناعي من جاهزيته لسوق العمل.

كما تشير إلى أن من منعكسات التغيير على المعلم، أنه سيتحول دوره من ناقل للمعرفة إلى موجه وميسر للتعلم، ما يستدعي برامج تدريب وتأهيل مستمرة.

وعلى البيئة التعليمية، فالتحديث يتطلب تجهيز المدارس ببنية تحتية تكنولوجية، وتطوير أدوات التقييم بما يتناسب مع مهارات التفكير العليا، بعيداً عن الامتحانات التقليدية وحدها.

وعلى المجتمع، فإن المناهج المتطورة ستسهم في إعداد جيل منفتح وقادر على المنافسة محلياً وعالمياً، ما يعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى البعيد.

تحديات لا بد من مواجهتها

عدد من المدرسين، منهم ديالا عبد الحي، ودلع زاعور، ومطيع زريفة، لفتوا إلى أن الطموحات الكبيرة تصطدم بعقبات حقيقية، أبرزها: ضعف التمويل اللازم لتجهيز المدارس وتدريب المعلمين، مقاومة بعض الأطراف للتغيير بسبب التعود على الأنماط القديمة، إضافة إلى خطر الفجوة بين ما تقدمه المناهج وما يطلبه سوق العمل إذا لم تتم دراسة دقيقة لاحتياجاته.

بين التثبيت وتطوير المناهج

ترسم وزارة التربية والتعليم خططها للمرحلة المقبلة، واضعة نصب عينيها معادلة دقيقة، “لا تعليم حديث بلا معلم مستقر، ولا معلم فاعل بلا منهاج متطور”، كما أن التحدي يكمن في تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس، يلمسه المعلم في راتبه ووضعه الوظيفي، ويعيشه الطالب في صفوف دراسية حديثة ومناهج تفتح أمامه آفاق الإبداع. فهل تنجح الوزارة في كسب الرهان وتحويل وعودها إلى خطوات عملية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.

آخر الأخبار
لا تعديل على الخبز التمويني .. ومدير المخابز يوضح لـ"الثورة" رغم وقف إطلاق النار.. غزة بين الحياة والموت التشبيح المخملي الذي جَمَّل براميل الأسد .. حين صار الفن أداة قتل الأمم المتحدة: إعادة بناء سوريا أمر حيوي لتحقيق الاستقرار  إعلان تلفزيوني يشعل الحرب التجارية بين ترامب وكندا مجددا  تحسين بيئة الأعمال شرط لتعزيز التنافسية  الاقتصاد السوري مبشّر ومغرٍ وعوامل نهضته بخطواتها الأولى  درع وزارة الرياضة والشباب.. بطولة جديدة تكشف واقع السلة السورية كأس الدرع السلوية.. الأهلي يُلحق الخسارة الأولى بالنواعير جامعة الفرات تناقش مشروع قانون الخدمة المدنية  بعد سنوات من الغصب والتزوير.. معالجة ملف الاستيلاء على العقارات المنهوبة حزمة مشاريع استراتيجية في "مبادرة مستقبل الاستثمار" بالرياض  رامي مخلوف.. من المال والاقتصاد إلى القتل والإجرام   بعد تضاعف صادراتنا.. مطالبات بتحديث أجهزة الفحص وتوحيد الرسوم توقيع اتفاق سلام كمبودي - تايلاندي لإنهاء نزاع حدودي التأمينات الاجتماعية تسعى لرفع الوعي التأميني لتحقيق أفضل الخدمات جدل حاد في "إسرائيل" حول مشروع قانون لإنقاذ نتنياهو دمشق ترسم معالم حضورها الدولي بثقة وثبات المشاركة السورية بـ"مبادرة مستقبل الاستثمار بالرياض".. خطوة محورية بمعركة الدبلوماسية والاقتصاد زيارة الشرع إلى الرياض.. ترسيخ سوريا الجديدة واستعادة دورها إقليمياً