الثورة – هناء ديب:
باتت مشاهد انتشار حاويات القمامة المكدسة بشتى أنواع القمامة أمراً مزعجاً جداً للمواطن، وتأكيد جديد على تراجع الخدمات، والمثير للاستغراب فعلاً أن تلك المشاهد لم تعد تقتصر على الريف، وإنما امتدت لمناطق كثيرة ضمن دمشق وحتى أرقى أحيائها.
الروائح الكريهة، والتلوث البصري، وانتشار الحشرات والقوارض المحيطة بالحاويات نتيجة خروج القمامة منها، وتراكمها لأيام قبل ترحيلها، دفع العديد من الأهالي في مناطق مختلفة، سواء في دمشق أم ريفها لتقديم الشكاوى للبلديات لإيجاد حل لمشكلة خطيرة بدأت تتفاقم بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وزادت مخاوف الناس بشكل أكبر مع انتشار الكلاب الشاردة خلال ساعات الليل والصباح أمام الحاويات، والأوساخ المحيطة بها لتحصيل طعامها، وما يترتب على كل ذلك من أمراض وتعد في بعض الأحيان على المارة من الكلاب الشاردة.
مأساة الضواحي
تقول صفاء أحمد من سكان ضاحية الشام في حرستا: لقد كرهت التواجد في منزلي لانتشار أربع حاويات قمامة قريبة من مدخل البناية تمتلىء بالقمامة يومياً، ولا يتم ترحيلها إلا كل ثلاثة أيام، وأحياناً تبقى روائح كريهة والمياه التي تتسرب من الحاويات تمتد لأمتار عديدة تجذب الحشرات التي تدخل للمنازل، وجعلت حياتنا كابوساً حقيقياً.
وشهد أبو أحمد- بائع الخضرة، على حادثة تعرض طفل كان يرمي القمامة في إحدى الحاويات لهجوم من كلاب شاردة كانت تنتشر حول عدد من الحاويات القريبة من مكان سكنه، جرحه أحد الكلاب بيده، ولولا تواجد بعض الأشخاص قريباً منها لكان الوضع سيئاً جداً.
وتقدم العديد من سكان الضاحية بشكاوى للبلدية التي تستجيب في بعض الأحيان، وتسارع لإزالة الأوساخ ومحتويات الحاويات بعد تراكمها لأيام، لتعود حليمة لعادتها القديمة، والحجج دائماً حاضرة بعيدة عن أي مبادرات تسهم في إيجاد حل جذري للمشكلة.
ولا يكاد يختلف الوضع المزري لانتشار القمامة المتزايد في أشرفية صحنايا عن ضاحية الشام، إذ يعاني الأهالي من بقاء الحاويات لأيام مليئة بشتى أنواع الأوساخ قبل أن يتم ترحيلها من قبل البلدية يبادر البعض بتصوير الحاويات المليئة بالأوساخ، وإرسالها سواء لبعض وسائل الإعلام أو للمعنيين في محافظة ريف دمشق، لعل وعسى تجد صدى لديهم فيتم إيجاد حل لمشكلتهم التي باتت فعلاً أزمة صحية وبيئية خطيرة إذا استمرت من دون معالجة.
مبررات لا تقنع
أصحاب الشأن في بعض البلديات يقرون بالمشكلة، وهم لا يتجاهلون معالجتها على حد قولهم، ولكن لديهم أسباب كثيرة يسوقونها لتبرير تقصيرهم وتأدية دورهم المطلوب في حل قضايا الناس، وليس أقله بالنسبة للتأخر في ترحيل القمامة بشكل منتظم قلة الآليات والمحروقات ونقص العاملين، وحتى عدد الحاويات، وبعد مكب القمامة الجديد، ويضيفون: إن الناس أيضاً يتحملون مسؤولية تفاقم مشكلة القمامة نتيجة رميها في بعض الأحيان بجانب الحاوية رغم أنها قد تكون فارغة، وبعض سكان الطوابق المرتفعة يقومون برمي الأوساخ من منزلهم باتجاه الطريق من دون أي حس بالمسؤولية من قبلهم مما يزيد من أعباء جمعها على عمال النظافة.
مصائب قوم..
انتشار القمامة بشكل كبير بجانب الحاويات سهل مهمة النباشين في داخل الحاويات، فباتت مهمة سحب العلب المعدنية، أو الكرتونية، والبلاستيك، وغيرها من المواد التي يبيعونها أسهل بالنسبة لهم، لا بل ساهم البعض منهم- كما يفيد العديد من الأهالي بزيادة انتشار القمامة من الحاويات لخارجها، والأسوأ تواجد الأطفال حول الحاويات، وتوجيه البعض لهم لتكون وسيلة لجمع المال مع كل ما يرافق تلك العملية من خطر على صحتهم وحتى حياتهم وتعرضهم للإساءة من البعض.
حاويات ذكية في دمشق
لا يبدو أن حل أزمة تراكم القمامة ومشاهد انتشارها في مناطق الريف وضواحيه وحتى في أحياء مختلفة من دمشق في طريقها للحل الجذري بالمدى القريب مع تزايد الصعوبات التي ترافق هذه العملية، إلا أن المعنيين في محافظة دمشق أعلنوا قبل أيام عن توجه قد يسهم لحد ما في التخفيف من تداعيات تلك المشكلة، تمثل في العمل على إحداث حاويات القمامة الذكية المخفية تحت الأرض في دمشق، والبداية ستكون حسب مصدر في محافظة دمشق بـ35 حاوية في شارع فارس خوري، والعباسيين، والتجارة، لتعمم التجربة وفق الإمكانات المتاحة لباقي المناطق، وهي خطوة إيجابية من دون شك تنتظر خطوات مكملة لها بما يضمن حل فعال للمشكلة.
إيجابيات وسلبيات
وتتمتع حاويات القمامة الذكية تحت الأرض بإيجابيات تشمل تحسين المظهر الجمالي، والحد من الروائح والآفات، وتوفير مساحة، وتقليل تكاليف التجميع، وتعزيز الاستدامة عبر إدارة النفايات الذكية. أما سلبياتها فتشمل التكلفة الأولية العالية، وصعوبة الصيانة والتركيب، والحاجة إلى بنية تحتية متخصصة، وتحديات التعامل مع النفايات الإلكترونية أو خطورتها إذا لم تُعالج بشكل صحيح، وتشجع على فصل المواد القابلة لإعادة التدوير عن النفايات الأخرى، ما يزيد من معدلات إعادة التدوير، ويحافظ على الموارد، ويشغل التصميم تحت الأرض مساحة سطحية أقل، ما يترك المزيد من المساحة للمشاة والمتنزهات. ومن ضمن سلبياتها أنها تتطلب تكلفة أولية عالية في الإنشاء والتركيب مقارنة بالحاويات التقليدية، ويحتاج تركيبها حفراً وبنية تحتية خاصة، وقد تكون عملية الصيانة والاستبدال أكثر تعقيداً، كما تحتاج لشاحنات متخصصة ذات أنظمة رافعة لتفريغها، ما يتطلب استثماراً من شركات جمع النفايات.