الثورة – منذر عيد:
يعكس الاجتماع التمهيدي الذي عُقد بين لجان عدلية وأمنية سورية ولبنانية، لبحث ملف المحتجزين والاتفاقيات الثنائية بين البلدين، تحولاً جذرياً في كيفية التعامل مع القضايا الحساسة، حيث تم البحث بشكل رسمي ومؤسساتي في هذا الملف الشائك. وبعيداً عن مقرات الاستخبارات السورية كما كانت “عنجر” شاهداً على جميع الاجتماعات والاتفاقيات بين سوريا ولبنان في عهد النظام السابق، جاء الاجتماع السوري اللبناني ليؤكد أن زمن التسويف والمماطلة في القضايا الحساسة التي تمس كرامات الناس ومشاعرهم قد ولى إلى غير رجعة، وأن القرار بإخراج ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية من غياهب النسيان قد اتخذ، ودخل مرحلة جديدة من النقاش القضائي- الأمني بين بيروت ودمشق.
من المؤكد أن تلك الاجتماعات وما يدور فيها من نقاشات تعتبر خطوة هامة في إدارة العلاقات الثنائية بين الدولتين الشقيقتين، إذ تتعامل الإدارة السورية تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع مع ملف الموقوفين السوريين بوصفه قضية كيانية غير قابلة للتنازل أو التأجيل، وهو ما بدا جلياً خلال استقبال الرئيس الشرع في شهر تموز الماضي، وفد دار الفتوى للجمهورية اللبنانية برئاسة مفتي لبنان سماحة الشيخ عبد اللطيف دريان.
توجه دمشق الجديد يعكس رغبتها في فرض نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة، ويؤكد أن هذا الملف هو شرط أساسي لأي مسار تعاون سياسي أو اقتصادي بين بيروت ودمشق، من خلال هذا الموقف، تسعى الإدارة السورية إلى فتح صفحة جديدة مع لبنان، مما قد يؤدي إلى مراجعة الاتفاقيات التي وقعت خلال فترة النظام السابق.
ملف الموقوفين والمعتقلين ليس وليد اللحظة ولا الأمس القريب، بل يعد من القضايا الإنسانية المعقدة التي تعود إلى عشرات السنين، وتحديداً منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية والوجود السوري في لبنان، ويحمل الملف أبعاداً إنسانية وسياسية، ومعالجته بشكل جاد سوف يعزز الثقة بين الدولتين ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون.
وتسعى المناقشات الجارية إلى تحقيق تقدم في ملف المفقودين والمعتقلين، وهو أمر يتطلب إرادة سياسية قوية من الجانبين، ومعالجة هذه القضية ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي أيضاً مسألة إنسانية تتعلق بحقوق الأفراد وعائلاتهم، لذلك، فإن نجاح هذه المناقشات يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز الخلافات السياسية والتركيز على الجانب الإنساني. كذلك يجب إيجاد صيغة لتقريب وجهات النظر بين الحكومتين حول كيفية التعامل مع هذا الملف، والتخلص من الشعور بعدم الثقة بين السوريين واللبنانيين، نتيجة سياسات النظام السابق في لبنان.
ويعد البحث في ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية خطوة متقدمة في مسار تحسين العلاقات بين دمشق وبيروت، حيث لا يقف الأمر عند معالجة قضية إنسانية فحسب، بل يؤسس أيضاً لبناء مستقبل أفضل للعلاقات الثنائية، ويمكن الطرفين من التغلب على التحديات الحالية، ما يفتح المجال أمام فرصة حقيقية لإحراز تقدم في كل القضايا العالقة بين سوريا ولبنان.