الثورة – وداد محفوض:
ازدادت ظاهرة التسول في محافظة طرطوس بشكل ملحوظ مؤخراً، في الطرقات العامة ومراكز النقل، وعلى الكورنيش البحري، وتجد جميع الشرائح.. “أطفال، وكبار سن، ونساء”، والجميع يبرر هذا السلوك بالواقع الاقتصادي الصعب وعدم وجود فرص عمل في المحافظة.
وعلى الرغم من التعاطف مع بعض الحالات التي نصادفها، إلا أن كثيرين منهم اتخذوها مهنة لهم للكسب السهل والمريح، من هنا لا بد من ضبط هذه الحالات ورعايتها.
مبرراتهم
“عبد الله. غ” شاب ثلاثيني التقته صحيفة الثورة، يبين أنه اضطر للتسول نتيجة نزوحه إلى طرطوس، وتعرضه لإصابة في اليد اليمنى منعته من العمل بشكل دائم، ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء المعيشة، حسب قوله، اتجه إلى التسول ليعيل عائلته، وبرأيه التسول أسهل طريقة لكسب المال.
وتذكر الطفلة “زهور. أ” عشر سنوات، أنها تعيش مما يعطيها المارة على إشارات المرور، وكل ما تجنيه يدخل في جيب والدها ليعيل الأسرة، وأنها وأخويها يمارسون التسول بإشراف والدها، لأنه الحل الوحيد.
وتشير ليال، أم لولدين، إلى أنها اضطرت لاستجداء المارة هي وأطفالها الصغار، وذلك بعد أن فقدت زوجها المعيل للأسرة، وفقدت منزلها في قريتهم البعيدة بسبب الحرب.
أما العم أبو يوسف “محمد. م” وهو في العقد التاسع من عمره، فأكد أنه لو استقبله أولاده لما اضطر إلى الجلوس على الرصيف، وانتظار الحسنات من المارة.
ليست سلوكاً فردياً
بدورها، بينت الدكتورة أمة الله غانم، المتخصصة بتربية الطفل في جامعة طرطوس، أن ظاهرة التسول ليست مجرد سلوك فردي، بل انعكاس لأوضاع اقتصادية واجتماعية متراكمة، أبرزها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، نتيجة الحرب الطويلة على بلدنا سوريا. مضيفة: إن تراجع الخدمات الأساسية، أثّر سباً على سلوك البعض.
وأشارت إلى أن التقديرات الأممية تبين أن نسبة كبيرة من السكان تعتمد على المساعدات الإنسانية، ما يزيد من هشاشة شرائح واسعة في المجتمع.
وحذرت د. غانم من الآثار الاجتماعية والنفسية للتسول، وخاصة على الأطفال، إذ قد يؤثر على فرصهم التعليمية، وامتهانها يعزز الاعتمادية على الغير والشعور بالعجز، ونوهت بأن استمرار الظاهرة دون إيجاد حلول ممنهجة، قد يفتح المجال لاستغلالها من قبل جهات مُستَغلة لهم، وحاجتهم تضطرهم للقبول والغوص في أنفاق الجريمة أو السرقة أو أي سلوك مؤذٍ لهم وللمجتمع.
حلول مستدامة
د. غانم ترى أن معالجة الظاهرة تتطلب حلولاً مستدامة، لا تقتصر على المساعدات الطارئة، بل تشمل إجراء مسح شامل وواقعي لتحديد الفئات الأكثر احتياجاً، وتوسيع برامج الدعم النقدي وربطها بالتعليم لضمان بقاء الأطفال في المدارس، كما أنه يجب توفير فرص عمل ومشاريع إنتاجية للشباب والأسر.
وإنشاء مراكز رعاية متخصصة للأطفال وكبار السن المتسولين، وضرورة إطلاق حملات توعية وتنظيم للتبرعات عبر قنوات مرخصة لتكون قانونية ومحكمة الضبط، مؤكدة على أهمية تحديث التشريعات لتمييز المحتاجين الحقيقيين عن الشبكات المستغلة.
تكاتف الجهود
ولفتت إلى أن الحد من التسول، يتطلب تكاتف الجهود الحكومية والأهلية والدولية، مع تعزيز ثقافة التكافل الاجتماعي، بما يسهم في حماية الفئات الهشة وتمكينها من الاعتماد على ذاتها بدلاً من التسول.