الثورة – إخلاص علي:
بداية جديدة، هي الصفة التي أطلقتها وزارة المالية على مشروع قانون الضرائب الجديد مؤكدة أنها بهذه الصفة ستُعيد التوازن وتُحفز الاستثمار عبر إطار واضح من العدالة والشفافية والحوكمة الرقمية.المشروع الجديد حمل الكثير من الاعفاءات والتخفيضات والإلغاء لبعض الضرائب والرسوم وكذلك في طريقة التعاطي بعيداً عن الابتزاز فهل نشهد مرحلة جديدة فعلاً من التشريع والتنفيذ؟.
يُخفف الفجوة الاجتماعية
الباحث الاقتصادي فادي ديب اعتبر أن المشروع إنهاء لمرحلة من التخبط والابتزاز والتسلّط وبداية لمرحلة من تصحيح وتطوير وأتمتة النظام الضريبي وفق معايير المصلحة العامة للجميع. وقال في حديث لـ”الثورة” إن رفع الحد المعفى إلى 12,000 دولار خطوة جوهرية لحماية ذوي الدخل المحدود وتعزيز القدرة الشرائية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يخلق مساحة استهلاكية أوسع تدعم النمو الاقتصادي الداخلي، وأن الإعفاء الكامل للقطاع الزراعي وتخفيض الضرائب على التعليم والصحة يعززان الاستثمار في القطاعات الحيوية، ويسهمان في تحقيق عدالة ضريبية عبر نظام تصاعدي يخفف من الفجوة الاجتماعية، مؤكداً أن ربط النظام ضريبياً بالمنصات الإلكترونية يُقلل من الفساد ويزيد من الامتثال الطوعي، وهو ما يُعد شرطاً أساسياً لبناء نظام مالي شفاف ومستدام.
تحديات التنفيذ
ولكن في المقابل حذّر ديب من التحديات الكبيرة التي تواجه تطبيق القانون، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب وضعف البنية التحتية الرقمية، إضافة إلى استمرار وجود الاقتصاد غير الرسمي الذي يشكّل نحو 65% من الاقتصاد السوري، ما يهدد فعالية القانون. وأوضح أن دمج هذا القطاع في المنظومة الرسمية يتطلب خططاً متدرجة وحوافز مشجعة، مثل تسهيلات في التسجيل وخفض الرسوم الأولية، لتشجيع أصحاب الأعمال الصغيرة على الدخول في الاقتصاد المنظم.
ونوّه إلى أن التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الإدارة الضريبية على التطبيق الكامل للرقمنة، وتدريب الكوادر البشرية على استخدام التكنولوجيا الحديثة. وأشار إلى أن الإصلاح الضريبي لا يقتصر على تعديل القوانين، بل يتطلب أيضاً تحديث الأنظمة المحاسبية والرقابية، وضمان التنسيق بين الجهات المالية والمصرفية والاقتصادية.
كما ربط الخبير نجاح القانون بشكل مباشر بمستوى الثقة بين المواطن والدولة، مؤكداً أن الشفافية في إدارة العائدات وتوجيهها نحو تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، ستُعد حجر الأساس لزيادة الالتزام الطوعي. وفي المقابل، غياب هذه الشفافية سيُبقي مقاومة دفع الضرائب قائمة ويضعف الإصلاح.
توازن وإعفاءات
وحول بعض التعديلات المقترحة، شدّد ديب على ضرورة تحقيق توازن بين الضرائب التصاعدية وتحفيز الاستثمار، عبر خفض الضرائب على الشركات التي توفّر فرص عمل حقيقية وتساهم في التنمية المحلية. كما دعا إلى إعفاء قطاعي التعليم والصحة بشكل دائم لتخفيف الأعباء عن المواطنين، وإلى توسيع شبكة الحماية الاجتماعية ودعم المتقاعدين بما يضمن استقرارهم المعيشي.
وأشار إلى أهمية تعزيز آليات الرقابة لمكافحة التهرّب الضريبي، وتبنّي معايير الشفافية المالية المعتمدة دولياً، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة يمكن أن تُسرّع من عملية الإصلاح. وبحسب ديب فإنه لابد من تهيئة البنية التحتية الرقمية، وتوسيع قاعدة المكلّفين، وترسيخ الشفافية، بما يفتح المجال لنمو اقتصادي مستدام وبيئة استثمارية مُحفزة تدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
يُمكن القول إن قانون الضرائب الجديد خطوة إصلاحية جريئة تُمهد لبناء نظام مالي عادل وفعال يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن نجاحه مشروط بتهيئة البنية التحتية الرقمية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة عبر شفافية استخدام العائدات. وإنّ الالتزام بهذه المعايير سيفتح آفاقاً واعدة للنمو والتنمية المستدامة، ويخلق بيئة استثمارية محفّزة تقلل من الفجوات الاجتماعية وتدعم القطاعات الحيوية.