الدوام المسائي في المدارس الخاصة.. خطوة بين الحاجة والجدل

الثورة – لينا شلهوب:

في خطوة أثارت نقاشاً واسعاً في الأوساط التربوية والاجتماعية، أصدرت وزارة التربية والتعليم في سوريا قراراً يسمح للمؤسسات التعليمية الخاصة، بما فيها المدارس ورياض الأطفال، بفتح دوام مسائي إضافي وفق نظام “الفوجين” اعتباراً من العام الدراسي 2025-2026. القرار جاء تحت الرقم /943/ و.ت/17، استناداً إلى المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004 وتعديلاته، ومحضر لجنة شؤون التعليم الخاص، ليكون بمثابة استجابة رسمية للضغوط المتزايدة التي تواجه العملية التعليمية نتيجة تزايد أعداد الطلاب ومحدودية القدرة الاستيعابية للمؤسسات التربوية.غير أن هذا القرار لم يمر من دون إثارة جدل، إذ تباينت الآراء بين من اعتبره خطوة ضرورية لمعالجة الاكتظاظ وتأمين مقاعد دراسية إضافية، وبين من رأى فيه عبئاً جديداً على الطلاب والأهالي، خاصة في وقت تحاول فيه المدارس الحكومية تخفيف الضغط عبر إلغاء الدوام النصفي والانتقال نحو دوام يوم كامل منتظم.

ملامح القرار وضوابطه

سمحت الوزارة للمؤسسات الخاصة بفتح دوام مسائي وفق نظام “الفوجين”، شرط الالتزام بمجموعة من الضوابط، أبرزها: تقديم طلب رسمي إلى مديرية التربية مرفقاً بالوثائق اللازمة، وأن يكون ترخيص المؤسسة الأساسي سارياً وخالياً من المخالفات أو الذمم المالية، مع تخفيض الأقساط التعليمية وأجور الخدمات بنسبة لا تقل عن 15 بالمئة مقارنة بالدوام الصباحي، كذلك تخصيص كادر تعليمي مستقل لإدارة الفوج الثاني، ورفع تقارير نصف سنوية إلى الوزارة حول نسب الحضور ومستوى التحصيل العلمي.وبذلك يكون الترخيص للفوج المسائي مؤقتاً، ينتهي بانتهاء العام الدراسي، مع إمكانية تجديده بناءً على تقييم مديرية التربية.

المنعكسات على العملية التعليمية

القرار من شأنه أن يحدث انعكاسات مباشرة على العملية التعليمية في شقين أساسيين كما يتحدث المدرّس سامر بريك من ريف دمشق: أولها الجانب الإيجابي، عبر استيعاب طلاب جدد، إذ يتيح نظام الفوجين للمدارس الخاصة استقبال أعداد أكبر من التلاميذ، مما يخفف من أزمة المقاعد المحدودة، إضافة إلى المرونة للأهالي، فبعض الأسر قد تجد في الدوام المسائي خياراً مناسباً يتوافق مع ظروف عمل الأهل أو احتياجات الأسرة، فضلاً عن زيادة الخيارات التعليمية، إذ إنه بفضل هذا النظام، يمكن للأهالي المفاضلة بين دوام صباحي أو مسائي وفق ما يناسب أبناءهم، ثانياً التحديات التي من شأنها أن تواجه الطالب وتتمثل بالإرهاق الذهني والجسدي للطلاب، فساعات الدراسة المسائية قد تتعارض مع حاجات الأطفال للنوم المبكر والترفيه والأنشطة الاجتماعية، أيضاً التأثير على نوعية التعلم، حيث إن ضغط اليوم الدراسي على فترتين قد يقلل من فاعلية التحصيل العلمي، علاوة على أنه يشكّل عبئاً إضافياً على الأهالي، لأن تنظيم الوقت بين دوام الأبناء الصباحي أو المسائي وبين مسؤوليات الأسرة قد يكون شاقاً، ويشير المدرّس بريك لوجود مقارنة غير متكافئة مع المدارس الحكومية، ففي الوقت الذي تسعى فيه المدارس الرسمية لإنهاء الدوام النصفي وتحقيق استقرار يومي للطالب، تتجه بعض المؤسسات الخاصة بالعكس نحو تقسيم اليوم إلى فوجين.

الأهالي بين القبول والرفض

فيما رحّب بعض الأهالي بالقرار، رفضه آخرون بشدة، تقول أم يزن محيثاوي، وهي موظفة: أنا أجد في الدوام المسائي فرصة، لأنني أعمل حتى الثالثة عصراً، وبذلك أستطيع متابعة ابني بعد عودتي من الدوام، لكنني قلقة في الوقت نفسه من تعب الطفل وتأثير ذلك على صحته.

أما أبو لؤي فاهمة، وهو أب لثلاثة أطفال، فيرى أن القرار يزيد العبء على الأسر، قائلاً: كيف يمكن لطفل أن يعود من مدرسته في الخامسة أو السادسة مساءً؟ هذا غير منطقي، مضيفاً أنه كان من الأجدر بالوزارة تحسين بنية المدارس وزيادة قدرتها الاستيعابية، بدل فتح دوامات مسائية.

آراء الطلاب أنفسهم جاءت متباينة، ميسون أحمد طالبة في الصف التاسع، عبّرت عن حماسها للفكرة قائلة: أنا أحب السهر، والدراسة في المساء قد تكون مناسبة لي أكثر من الاستيقاظ باكراً كل يوم. في المقابل، رفض حسام أبو بكر طالب في الصف السادس، الفكرة قائلاً: أشعر أنني لن أستطيع التركيز في الليل، خصوصاً أنني أحب اللعب بعد الظهر، وإذا درست مساءً، متى سأرتاح؟

حل أم أزمة جديدة؟

من جهته، اعتبر الخبير التربوي سامر الكيلاني أن القرار يعكس محاولة من الوزارة لمعالجة أزمة حقيقية، لكنه حذر من آثاره طويلة المدى، لافتاً إلى أن نظام “الفوجين” قد يكون حلاً مؤقتاً لمشكلة الاكتظاظ، لكنه ليس حلاً تربوياً مثالياً، فالتعليم يحتاج إلى بيئة صحية ونظام يومي متوازن، والدوام المسائي قد يضعف من فاعلية التعلم خاصة لدى صغار السن.

في المقابل، أشارت المتخصصة في علم نفس الطفل، الدكتورة حنان العلي، إلى جانب إيجابي محتمل، قائلة: إن بعض الأطفال يملكون إيقاعاً يومياً مختلفاً، وقد يكونون أكثر نشاطاً في المساء، لكن تبقى المشكلة في توافق ذلك مع جداول الأسرة والنشاطات الاجتماعية.

مقارنة مع المدارس الحكومية

تزامن القرار مع توجه وزارة التربية والتعليم في المدارس الحكومية نحو إلغاء الدوام النصفي وتوحيد الدوام اليومي، بهدف تعزيز استقرار العملية التعليمية وتخفيف الضغط عن الطلاب والأهالي، هذه المقارنة طرحت تساؤلات عديدة، منها: لماذا تتجه المدارس الحكومية إلى تقليص الفترات الدراسية، بينما يُسمح للمدارس الخاصة بفتح فترات إضافية؟ وهل سيؤدي ذلك إلى تفاوت أكبر بين التعليم العام والخاص من حيث ساعات الدراسة وجودتها؟ وهل يمكن أن يصبح الدوام المسائي حلاً دائماً في المدارس الخاصة، بدل أن يكون إجراءً مؤقتاً؟

الآفاق المستقبلية

يرى مراقبون أن نجاح تجربة الدوام المسائي في المدارس الخاصة سيتوقف على مدى التزام المؤسسات التعليمية بالضوابط التي وضعتها الوزارة، وخاصة ما يتعلق بتخفيض الرسوم وتخصيص كادر مستقل للدوام المسائي، كما أن التجربة قد تفتح الباب أمام إعادة التفكير في هيكلية اليوم الدراسي برمته، سواء في التعليم العام أو الخاص، ولكن يبقى السؤال الجوهري: هل يُعد الدوام المسائي في المدارس الخاصة حلاً لمشكلات التعليم، أم أنه مجرد ترحيل للأزمة إلى ساعات مختلفة من اليوم الدراسي.

القرار الجديد لوزارة التربية والتعليم بالسماح للمدارس الخاصة بفتح دوام مسائي وفق نظام الفوجين يمثل منعطفاً مهماً في مسار التعليم الخاص في سوريا، فهو يعكس من جهة محاولة جادة للتكيّف مع التحديات الراهنة، لكنه من جهة أخرى يثير تساؤلات عميقة حول جدواه وانعكاساته على الطالب والأسرة والمجتمع.

وفيما تبقى الآراء منقسمة بين مؤيد يرى فيه مخرجاً عملياً، ورافض يخشى تبعاته، فإن التجربة المقبلة ستشكل اختباراً حقيقياً لمدى قدرة النظام التعليمي على الموازنة بين الضرورات الواقعية والمعايير التربوية المثالية.

آخر الأخبار
سورية وإندونيسيا.. شراكة رياضية تنطلق بثقة تعاون مع اليابان في مجالي الإنذار المبكر والرصد الزلزالي مهرجان التحرير الأول يضيء سماء طرطوس.. وعروض فنية ورياضية مبهرة  عودة أكثر من 120 أسرة إلى قرية ديمو بريف حماة الغربي ضوابط القيد والقبول في الصف الأول الثانوي للعام الدراسي القادم نضال الشعار  .. الوزير الذي ربط الجامعات بالوزارات؛ والناس بالاقتصاد   "عمال درعا".. يطالب بتثبيت العمال المؤقتين وإعادة المفصولين  عناية مميزة بقطاع الخيول في حلب الشيباني: العلاقة مع كرواتيا ستكون متعددة الجوانب.. غرليتش رادمان: ندعم استقرار سوريا "ساهم".. تعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة في إعزاز  طرطوس تكرّم متفوقيها في الشهادتين  بنزين ومازوت سوريا.. ضعف العالمي وأغلى من دول الجوار  نائب أميركي: حكومة نتنياهو "خرجت عن السيطرة" بعد هجوم الدوحة السعودية:الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا انتهاك للقانون الدولي "أهلاً يا مدرستي".. تهيئة الأطفال للعام الدراسي مباحثات استثمارية بين سوريا وغرفة التجارة الأميركية "المعلم المبدع".. في درعا إدانات دولية متصاعدة للعدوان الإسرائيلي على قطر: تهديد للأمن الإقليمي "الشمول المالي الرقمي".. شراكة المصارف والتكنولوجيا من أجل اقتصاد واعد الشيباني يستقبل وزير الخارجية الكرواتي