الثورة – علا محمد:
مشهدٌ جمركي يتبدل على وقع مرحلةٍ جديدة، سنواتٌ طويلة سبقت التحرير، حملت ممارساتٍ وُصفت بأنها أقرب إلى ملاحقةٍ داخل المدن بدلاً من مراقبة وضبط الحدود، واليوم تُطرح إصلاحاتٌ وتشريعاتٌ وآليات رقابة بعنوان عريض، يتمثل في تسريع الحركة التجارية، وخفض التكلفة، وتقليص مساحات الفساد.
في هذا السياق، وضع المختص في الشؤون والقضايا الجمركية والبحرية في دمشق والساحل السوري، المحامي سليم السابق أمام “الثورة” صورةً تفصيلية للواقع قبل التحرير وبعده، في ما يراه نقلة نوعية في العمل الجمركي والحوكمة.
بين مخالفة القانون وبداية الإصلاح
يستعيد المحامي السابق تلك المرحلة موضحاً أنها اتسمت بممارسات جعلت ملاحقة الجمارك للبضائع داخل المدن وخارج النطاق الجمركي سمةً أساسية، في مخالفة صريحة للمادة 202 من قانون الجمارك رقم 38 لعام 2006، التي لا تجيز دخول المحال أو المستودعات إلا في حال مشاهدة بضائع يُشتبه بتهريبها من خارج المراكز الجمركية، أو ورود إخبار بعبورها، لتبدأ عندها عملية المتابعة المتواصلة من داخل النطاق الجمركي إلى خارجه وصولاً إلى المستودع أو المحل أو المصنع.
غير أنّ ما كان يحدث عملياً هو دخول عناصر الجمارك مباشرة إلى المستودعات والمحال التجارية من دون أي مبررات قانونية، وهو ما يصفه بأنه “تشريع للتهريب” عبر غضّ النظر عن المنبع الحقيقي على الحدود والسماح عملياً بمرور المهربات من دون رقابة صارمة.
واليوم، تغيّرت الصورة بشكل لافت، إذ يشير السابق إلى أن إلغاء إجازات الاستيراد وتمويل المستوردات أنهى ضغوطاً كبيرة على التجارة، فيما سمح فتح السوق على المنافسة ومنع الاحتكار باستيراد مختلف المواد من دون استثناء، كما انعكس احتساب الرسوم الجمركية على الوزن وتخفيضها لكثير من السلع على انخفاض ملموس في التكلفة، ورغم أن الإجراءات أسهمت في الحد من الفساد بنسبة وصلت إلى 80 بالمئة، إلا أن السابق يرى أن الشفافية ما زالت تحتاج إلى مزيد من التوضيح وتعميم القرارات بشكل صحيح، منعاً لوقوع أخطاء قد تكبّد التجار خسائر ضخمة، لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى تفعيل مديرية الرقابة ومنحها صلاحيات واسعة، إضافة إلى فتح قنوات مباشرة لتلقي الشكاوى عبر مكتب رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية.
نقلة نوعية في المعالجة
ويصف المختص في الشؤون والقضايا الجمركية خطوة دراسة المخالفات الجمركية السابقة وإلغائها مع التدابير الاحترازية، في حال ثبوت بطلان الادعاء، بأنها نقلة نوعية حقيقية تضع حداً للتجاوزات الماضية.
أما فيما يتعلق بحركة الاستيراد، فيوضح أنها شهدت بعض التباطؤ في البداية نتيجة ذبذبة أسعار الصرف، قبل أن تبدأ إدارة المنافذ البرية والبحرية بإعطاء مؤشرات إيجابية، واليوم، يؤكد السابق أن الاستيراد يعيش ذروته، لكن الصورة ليست مثالية تماماً، فالنظام الجمركي الحالي، القائم على المنافسة، منح الأفضلية عملياً لأصحاب رؤوس الأموال الضخمة على حساب الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يثير قلقه بشأن عدالة المنافسة.
ويرى أن حماية مصالح المستثمرين تتطلب تعميم القرارات الجمركية بصورة واضحة ومنح مهلة كافية قبل دخولها حيّز التنفيذ، إلى جانب تفعيل الرقابة اللاحقة وفق الأسس العالمية، لا بما يخالفها.
خطر السعرين.. ورقابة لاحقة
ويحذر من أخطر ما قد يواجه السوق اليوم، وجود سلعة واحدة تُباع بسعرين مختلفين إلى حد يُخرج المنافسة عن مسارها، برأيه، هذا الفارق لا يمكن أن ينشأ إلا بوجود بضائع لا تخضع للرسوم الجمركية ولا تتحمل تكاليف الشحن المباشر إلى سوريا، ولتعزيز الرقابة والحد من الفساد، يوضح المحامي السابق أن تفعيل مديرية الرقابة ضمن الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، إلى جانب الهيئة العامة للرقابة والتفتيش، شكّل خطوة مهمة، لكنه يشدد على ضرورة إحداث “مديرية الرقابة اللاحقة” التي تتابع البضائع بعد دخولها المراكز الجمركية، على النمط العالمي، كما يدعو إلى تعريف المخالفات والتمييز بين جنحة التهريب وجنايته، وإلى تعديل المنظومة القانونية بإلغاء مراسيم وقوانين قديمة مثل المرسوم 13 لعام 1974 وقانون الجمارك 38 لعام 2006 والمرسوم 208 لعام 1952، واستبدالها بقانون يلحظ العقوبات الرادعة بوضوح.
رقمنة وإصلاح مستقبلي
وفي رؤيته للمستقبل، يؤكد ضرورة دمج التكنولوجيا والرقمنة في الإجراءات الجمركية، بما يضمن شفافية أكبر وسرعة في الإنجاز، مع التنبه لتأمين جميع الاحتياجات اللازمة لتطبيق الرقابة اللاصقة على أرض الواقع.
بين مرحلةٍ سابقة حملت وصف “تشريع التهريب” ومرحلةٍ حالية تشهد إصلاحات في الرسوم والرقابة، يتضح أن الطريق نحو نظام جمركي أكثر عدالة وشفافية ما زال يتطلب استكمال التشريعات، وترسيخ الرقابة، ودمج التكنولوجيا، وهي، وفق رؤية المحامي سليم السابق، المفاتيح الحقيقية لحماية التجارة وتعزيز الاستثمار في سوريا.