الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
اللغة الفصحى هي لغة القرآن الكريم التي وحدت العرب تحت مظلة واحدة، في ظل صراع اللهجات ومحاولة البعض الدائمة تحييد العامية لمصلحة اللغة الفصحى.لذا فرد اتحاد الكتاب فرع حمص على طاولته محاضرة “العامية ظلُّ الفصحى” لبحث ماهية اللغة العربية، ألقاها الدكتور عصام الكوسى بحضور عدد من أعضاء الاتحاد ورواده.
وأكد د. الكوسى أنه لا يمكن تجاهل اللغة العامية، وثمة تنافسٌ خفي بين اللغة العامية والفصيحة منذ قرون طويلة يمتد إلى ما قبل نزول القرآن الكريم الذي أعطى الفصحى قوةً جعلها تتبوأ مركز الصدارة في الجزيرة العربية، وتحملُ كثيراً من اللهجات التي كانت سائدة قبل الإسلام، ولا يزال التنافس مستمراً، سواء بالأدب، أم التعليم، والإعلامِ، وكذلك التواصل الاجتماعي.
وهذا التنافس واحدٌ من أكثر القضايا اللغوية تعقيداً وإثارةً للجدل في العالم كونه انعكاسٌ لصراعاتٍ أعمقَ تتعلق بالهُوية والتراث، والوحدة الثقافية.أجرى د. الكوسى مقارنة بالنظر للصراع من زاويتين أساسيتين، فاللغة الفصحى تتسم بسمات عدة، أهمها، تمثل الهوية العربية الموحدة، فهي تجمع أكثر من 400 مليون عربي من المحيط إلى الخليج على اختلاف لهجاتهم، وتعتبر لغة القداسة بسبب نزول القرآن الكريم بها، وكونها معجزة الرسول الكريم سيدنا محمد ” ص”، والحاضن للإرث الثقافي والحضاري المشترك بين الشعوب العربية.
وتعتبر اللغة الفصحى عابرة للزمان والمكان، يفهمها العرب جميعاً بلهجاتهم المختلفة، ويفهمها من يقرأ الأدب العربي القديم والحديث، والفصحى لغة رسمية، ولغة التعليم، والدين، ولغة الأدب الراقي الرفيع، ولغة الإعلام الرسمي والقضاء، لما تمتلكه من قواعد نحوية وصرفية وإملائية ثابتة ومعيارية، لا يمكن الخروج عنها، ولذا تتسم ببعض الصعوبة، ولا يجيدها إلا النخبةُ المثقَّفة.
وأضاف د. الكوسى “تتسم اللهجة العامية، بعدة سمات، بأنها لغة الشعب العفوية في التواصل اليومي غير الرسمي، ولغة الحياة، يتعلمها المرء في طفولته الأولى في البيت والشارع، وترافقه أغلب ساعات يومه، لا تملك قواعد معيارية ثابتة. قواعدها شفهية ومتطورة ومتغيرة باستمرار، وتتسم بالمرونة والحيوية وقدرتها على استيعاب ألفاظ من واقع الحياة أو من اللغات الأخرى”.وهي محلية ومحدودة بزمانها وإقليمها، وتمثل الهوية المحلية، وفرضت اللهجات وجودها في وسائل الإعلام، لغة الفنون الشعبية كالأغاني، والمسلسلات، وكثير من البرامج الاجتماعية الترفيهية، وعلى منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك، تيك توك، تويتر”.
أشار إلى أن أهم مظهر من مظاهر التنافس يكمن في صعوبة جَسْرِ الفجوة بين لغة التعليم ولغة الحياة، بين اللغة الرسمية واللهجة العامية، برغم محاولات الكثيرين، أن ينتصروا للفصحى ويحاربوا اللهجات، ولكن هذه المحاولات لم تلق النجاح المأمول. وأكد د. الكوسى أن الفصحى والعامية ليسا عدوين، بل لهما وظائف متكاملة، فالعامية حقيقة واقعية وليست شراً يجب محوه، فهي لغة البيت والشارع، ولكن ليس على حساب الفصحى، رمز هويتنا، ولتكن العلاقة بين العامية والفصحى علاقة تكامل لا صراع وإقصاء.
وأضاف: تتجلّى أهمية دراسة بعض الألفاظ العامية في كونها تُظهر استمرار الفصحى في حياة الناس اليومية، وإن كان كثير منهم لا يعلمون ذلك، وقد وُجدت لهجات عربية متنوعة منذ القدم إلى جانب اللغة العربية الفصحى التي كانت سائدة في الأدب والشعر، مثل لهجة قريش التي عدّت أساس الفصحى.وبين أنه كان لكل لهجة سماتٌ خاصة تتميز بها عن غيرها ومن أبرز الظواهر اللغوية في هذه اللهجات: “الكشكشة، والعنعنة، والاستنطاء” مثل: الكشكشة: ظاهرة صوتية ولغوية قديمة، ولها صيغتان رئيسيتان، وهما: إضافة حرف الشين إلى كاف المخاطبة، كقولهم “رأيتكش” بدلاً من “رأيتكِ”، وإبدال كاف المخاطبة بالشين، كقولهم “عليش” بدلاً من “عليكِ”، و”شلونش” للأنثى بدلاً من “شلونك” للمذكر.
الاستنطاء: ظاهرة لغوية قديمة، يتم فيها قلب العين الساكنة نونًا عندما تجاور الطاء، مثل قول “أنطى” بدلاً من “أعطى”، وهي لغة شائعة في عصرنا هذا في جنوب سوريا وشمال فلسطين والأردن.
وأشار د. الكوسى لملامح اللهجات الشامية، مثل التحوير الصوتي، كقلب القاف همزة: قال.. آل، وهذه الظاهرة قديمة نسبها سيبويه لبعض القبائل، أو قلب الهمزة واواً: أين.. وين، أو حذف بعض الأصوات “كتسهيل الهمز” مثل حذف الهمزة، مَي.. ماء”.أو حذف بعض الحروف في سرعة النطق، شو عم تعمل؟ “اختصار “أي شيء تعمل”، وكذلك الاختصار، نحت تراكيب طويلة إلى لفظة واحدة “يلا.. يا الله”.
وذكر د. الكوسى بعض نماذج من الكلمات العامية وأصولها الفصحى بقاء هذه الصيغ يُثبت أن الفصحى والعامية في تواصل دائم.
واختتم بأنه حاول بعض الباحثين أن يرجعوا عدداً من الكلمات العامية إلى اللغة الفصحى بيد أنّ الناظر إلى ما ذهبوا إليه يجد بعض التعسف والتأويل غير المقبول والأمثلة كثيرة.
وفي نهاية المحاضرة أكد من خلال نتائج البحث، أن الفصحى والعامية ليسا في صراع دائم، بل يمكن أن يتكاملا بشكل إيجابي بدلاً من أن يكون بينهما صراع دائم، ومن المفيد أن نرى العلاقة بين الفصحى والعامية على أنها علاقة تكاملية تسهم في إثراء اللغة العربية بكل تنوعاتها.