الثورة – جهاد اصطيف:
لم يكن مستشفى التوليد الجامعي في حلب مجرد بناء طبي يقدم خدمات روتينية للمرضى، بل ظل لعقود طويلة صرحاً تعليمياً وعلمياً رائداً، يجمع بين تقديم الرعاية الصحية للنساء والأطفال وبين تأهيل أجيال من الأطباء، إلا أن سنوات الحرب تركت بصماتها القاسية على هذا المرفق الحيوي، لتتراجع خدماته حتى كاد يغيب عن المشهد الصحي في المدينة، قبل أن يعاود اليوم النهوض بخطوة مفصلية، تمثلت في إعادة تشغيل شعبة الإخصاب المساعد، التي تعنى بالكثير من الأسر الحلبية والسورية على حد سواء.
سنوات من التراجع والإهمال
منذ عام 2012 تعرض المستشفى لسلسلة من الأضرار نتيجة الحرب، وبين عامي 2014 و2017 تحول المبنى إلى مأوى لعشرات العائلات النازحة، ووفق بيان الإدارة، تعطّلت فيه معظم أجنحته وتعرضت أجهزته الطبية للتخريب أو السرقة، ومع فقدان القدرة على الترميم ونقص الموارد المالية، تقلصت الخدمات المقدمة ليقتصر النشاط على الإسعافات الطارئة وبعض الولادات الطبيعية.
هذا الواقع انعكس مباشرة على المرضى، فقد تراجع عدد المراجعين، بينما اضطر كثيرون للسفر إلى محافظات أخرى أو الاعتماد على المراكز الخاصة المكلفة، ومع التهجير القسري الذي فصل الريف عن المدينة، خسر المستشفى شريحة واسعة من المستفيدين.
انطلاقة جديدة
خلال الأعوام الماضية، جرت أكثر من محاولة لإعادة تأهيل المستشفى، لكنها تعثرت بسبب نقص التمويل وصعوبة استيراد التجهيزات الطبية، إلا أن الإصرار على إحيائه بقي حاضراً لدى القائمين عليه، ومع التحرير وعودة الحياة تدريجياً إلى أحياء حلب، جاء الدعم من الهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجمعية أمل لمكافحة السرطان ليمنح المشروع دفعة قوية.
عودة إلى الحياة
تأسست شعبة الإخصاب المساعد عام 2007، ودخلت الخدمة الفعلية عام 2009، حيث حققت نتائج مميزة في معالجة حالات العقم المعنّد، إلا أن الأحداث المتسارعة أجبرتها على التوقف نهائياً عام 2012، واليوم، بعد أكثر من عشر سنوات، استعادت الشعبة نشاطها، لتستقبل من جديد المرضى الراغبين في الإنجاب.إدارة المستشفى وصفت الحدث أنه “خطوة مفصلية”، وأن الشعبة لا تقدم خدمات علاجية فقط، بل تؤدي دوراً تعليمياً وأكاديمياً لطلاب الدراسات العليا في كلية الطب بجامعة حلب، وأن عودة الشعبة تعني استعادة المستشفى لدوره كمنارة طبية وتعليمية في آن واحد.
خدمات متطورة
رغم الصعوبات حتى الآن نجحت الشعبة في إجراء أربع عمليات حقن صناعي، في حين يجري التحضير لإطلاق أولى عمليات طفل الأنبوب بعد استكمال المستلزمات المخبرية اللازمة.وتضيف إدارة المستشفى: إن الخدمات لا تقف عند هذا الحد، إذ يعمل الفريق الطبي على إدخال تقنيات حديثة، مثل الفحص المورثي قبل الزرع للكشف عن التشوهات الوراثية، وتجميد النطاف والبويضات والأجنة للحفاظ على فرص الإنجاب المستقبلية.لكن هذه الخطوات تواجه عقبات حقيقية، أهمها، نقص الكوادر المخبرية المدربة، وصعوبة تأمين المواد والأوساط الخاصة بعمليات الإخصاب، التي تستورد عادة من الخارج وتخضع لإجراءات معقدة “شهادات منشأ، تراخيص صحية، تسجيل تجاري ..”.
آفاق مستقبلية وتعاون أكاديمي
إلى جانب الخدمات الطبية المباشرة، يشكل المستشفى ساحة تدريب لطلاب كلية الطب في جامعة حلب، حيث يتيح لهم من دون شك التعرف على أحدث تقنيات معالجة العقم المعنّد وممارسة التدريب العملي تحت إشراف مختصين.ورغم التحديات التي لا تزال قائمة، يواصل مستشفى التوليد الجامعي في حلب مسيرته لاستعادة مكانته كصرح طبي وتعليمي رائد، ومع كل خطوة جديدة، تتجدد الآمال لدى المرضى والأطباء على حد سواء، ليبقى المستشفى شاهداً على قدرة السوريين على النهوض من الركام وصناعة الأمل.