الثورة – فؤاد العجيلي:
تعد منطقة وادي العرايس، الواقعة ضمن حي الكلاسة بمدينة حلب، إحدى المناطق التي تم طيها في ملف النسيان والإهمال المتعمد فترة حكم النظام البائد، فالمنطقة الواقعة بين سوق السمك ومحطة وقود الكنج في المنطقة، والتي يقطنها نحو مئتي عائلة، تعيش حقبة هي الأقرب للعصور الوسطى، وسط معاناة لا تنتهي ووعود لا تُنفّذ.
من الدمار إلى الإهمال
بدأت المعاناة منذ أن سيطر النظام البائد على حلب سنة 2016، ويقول سكان الحي لـ”الثورة”: إنهم مُنعوا بداية من العودة إلى منازلهم تحت ذريعة “تمشيط المنطقة” من المخلفات الحربية والمتفجرات، وعندما سُمح لهم بالعودة في أوائل عام 2017، تبيّن أن قوات النظام البائد “عفّشت” كابلات الطاقة والأعمدة في حيهم، لتترك خلفها عشرات العائلات من دون أي بديل للطاقة. بعد أن جرى ما جرى، تحولت مكاتب شركة كهرباء حلب لمقصد أسبوعي لهم، وفي كل زيارة كانت الإجابات وفق تعبيرهم بنفس النسق: الخطط المستقبلية الموضوعة.
وقال أبو محمد- أحد سكان الحي: في كل مرة نذهب فيها نسمع نفس الكلام “الخطة المستقبلية”، مضيفاً: منذ تسع سنوات ونحن نعيش على المستقبل الذي لم نره إلى الآن، أين هذا المستقبل؟، أبناؤنا كبروا وهم يدرسون على ضوء الشموع والمولدات، أصبحت كلمة “الخطة” كابوساً يطاردنا.
تحت رحمة “الأمبيرات”
في غياب الشبكة العامة للكهرباء، اضطر السكان للخضوع لاستبداد أصحاب المولدات الخاصة “الأمبيرات”، هذه المولدات لا توفر إلا ساعات قليلة من الكهرباء يومياً، وبأسعار باهظة لا يقدر عليها الكثيرون.بحسب أم علي، وهي إحدى القاطنات في الحي، فإن الأمر لا يتعلق فقط بالإنارة، وإنما يؤثر على جميع نواحي الحياة، الثلاجات لا تعمل، ما يتسبب بفساد الطعام صيفاً، والأجهزة الطبية المنزلية تصبح عديمة الفائدة، الطلاب يكافحون في دراستهم، فتارةً على ضوء الشمعة، وتارةً على ضوء الجوال.وتابعت: ميزانية البيت كلها صارت تُحسب على أساس ساعات الأمبير، كيف ندفع 20 ألف ليرة سورية مقابل بضع ساعات من الكهرباء؟. وفي الشتاء لا نستطيع تشغيل المدفأة، وفي الصيف أيضاً لا يمكن تشغيل مروحة للتبريد.
أما عبد الله زيدان، وهو أحد سكان الحي، فقد اعتبر أن الحرمان من الكهرباء أدى لزيادة التكاليف والأعباء المالية، قائلاً: ندفع أسبوعياً ما يقارب 80 ألف ليرة قيمة أمبير واحد، ووضعنا المالي كعمال دون الصفر.المفارقة الأكثر إيلاماً التي يشير إليها السكان، هي أن جميع الشوارع المحيطة بهم، والتي كانت تعاني نفس المصير، تمت إعادة إصلاح البنية التحتية فيها، وتم تزويدها بالكهرباء، ليبقى شارع وحيد في مهب الظلمة، كأنه شريط معزول منسي من خريطة الخدمات.
وفيما تتواصل الوعود المؤجلة دوماً بخصوص الأمر، يطالب سكان المنطقة شركة كهرباء حلب بمطالب عدة، على رأسها تنفيذ فوري لخطط الإصلاح، وتوصيل الكهرباء إلى الحي بأسرع وقت، والإفصاح علناً عن خطة العمل والجدول الزمني لتوصيل الكهرباء.
“كهرباء حلب”: سنجتمع لحل المشكلات
المدير العام لشركة كهرباء حلب محمود الأحمد، أكد في حديث لـ”الثورة”، أن المنطقة تعتبر من ضمن المناطق الشرقية غير المخدّمة بشبكة الكهرباء، لافتاً إلى أنه وبتاريخ 15 من شهر أيلول الجاري، سيعقد اجتماع في المحافظة يضم جميع ممثلي المؤسسات الخدمية مع المحافظة والمخاتير وممثلي الأحياء، وسوف يتم طرح موضوع احتياجات هذه المناطق بشكل عام واقتراح الحلول لها.الآن، وبعد تسع سنوات من الظلمة والإهمال، وبعد آلاف الوعود المعسولة والخطط المستقبلية التي تحولت إلى كابوس يومي، يصرخ أهالي وادي العرايس في حلب بأعلى أصواتهم: “كفانا انتظاراً”، مطالبين بفعل ملموس، ينهي تسع سنوات من الظلمة، فهل من مجيب؟