الثورة- منهل إبراهيم:
بعد قرابة تسعة أشهر على سقوط النظام المخلوع، تعمل الدولة على إعادة بناء مؤسساتها التي أنهكتها سنوات الحرب والعقوبات، بدءاً من الصفر تقريباً، وتحاول الحكومة بموارد شحيحة، توفير الخدمات التي يحتاجها المواطنون، في ظل تحديات هائلة على الصعيدين، الداخلي، المرتبط بإعادة إعمار البلاد وإدارة المشكلات المختلفة، والخارجي، المتعلق بترميم العلاقات مع دول العالم ومنظمات المجتمع الدولي.
ويؤكد محللون غربيون أنه يسود جو من الأمل، مع تطلع دائم إلى المستقبل، وبالرغم من أن المرحلة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات كبيرة، لكنها تمثل فرصة نادرة لإعادة بناء المؤسسات، وإعادة التوازن السياسي، والاستقرار الوطني.وفي هذا السياق، يستعرض المحللون الغربيون مدى التقدم الذي أحرزته الحكومة السورية في تحقيق أهدافها المتمثلة في إنعاش الاقتصاد، وضمان أمن البلاد، وذلك في قراءات تحليلية لخبراء المجلس الأطلسي وهو (منتدى للسياسيين ورجال أعمال ومفكرين عالميين) زاروا دمشق مؤخراً, ونقلوا رؤاهم الميدانية عن سوريا الجديدة.
ويرى مدير مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط في برنامج الشرق الأوسط، جوناثان بانيكوف، أن “التحدي الأكثر إلحاحاً الذي يواجه سوريا، هو وحدة البلاد وسيادتها، مشيراً إلى أن “ثمة طريقاً صعبة ولكنها حقيقية لسوريا للخروج من خرابها الاقتصادي الحالي، وعدم استقرارها السياسي، وتهديداتها الأمنية المستمرة، بما في ذلك من تنظيم داعش”.
وبشهادة كثيرين ممن زاروا سوريا بعد سقوط النظام، فإن الحكومة السورية تعمل على تأمين الحريات والحقوق لجميع السوريين، وهذا ما أشار إليه الباحث في المجلس، أليكس بليتساس، والذي يترأس مشروع مكافحة الإرهاب في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس.ويقول الباحث بليتساس في شهادته: “كنت في دمشق مؤخراً، والتقيت بكبار الوزراء السوريين، وخلال زيارتي، شهدت عن كثب ثقافة يمارس فيها المواطنون السوريون شعائرهم الدينية بحرية، وتتعايش فيها الطوائف بسلام، وتُعامل النساء بكرامة، وبحرية دون أي شكل من أشكال الإجبار، وتشكل بيئة التسامح هذه أساساً هاماً يمكن للحكومة السورية البناء عليه في سعيها إلى إرساء الاستقرار داخلياً وخارجياً”.
ويؤكد بليتساس أن “الاستقرار ضروري أيضاً لمستقبل الاقتصاد السوري، فبدون تحسن الوضع الأمني، لن يتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد بالقدر اللازم لإعادة إعمار حقيقية، ولن تعزز شراكة موثوقة في مكافحة الإرهاب أمن البلاد، ولن تشير في الوقت نفسه إلى استعداد سوريا لإعادة الانخراط اقتصادياً”.
سوريا اليوم، تمد يدها نحو الاتجاهات الصحيحة في محيطها العربي والدولي، ضمن شروط السيادة السورية ورفض التدخلات الخارجية، وبما يضمن عدم عودة العجلات للوراء، وهذا ما أشار إليه نائب مدير مبادرة N7، وهي شراكة بين المجلس الأطلسي ومؤسسة جيفري م.تالبينز، غيرشوم ساكس، بقوله: “لدى سوريا الجديدة فرصة لتغيير الشرق الأوسط، إذا استطاعت هي والغرب اغتنامها”.ويلفت المحلل ساكس إلى أن “الحكومة السورية أعربت عن رغبتها في السلام والأمن الإقليميين، والتوافق مع الغرب في القضايا الجوهرية، فهي تريد منع إيران من استخدام سوريا منصة للفوضى، والتصدي لخلايا داعش المتبقية، وهي تسعى إلى إبرام اتفاقية أمنية مع إسرائيل لتعيد الهدوء إلى الجنوب السوري”.وأضاف ساكس: “هذه سوريا الجديدة في متناول اليد، وهي تتطلب قيادة جريئة، وأن يرسخ الغرب نفسه كشريك مفضل لسوريا، مما يساعد على زيادة فرص نجاح القيادة السورية”، مؤكداً بأنه “لزيادة هذه الفرص، ينبغي على أميركا وشركائها، اتخاذ خطوات لتعزيز التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب مع الحكومة السورية”.وأوضح ساكس أن من “شأن ذلك أن يعزز الأمن الداخلي السوري، ويدعم الاستقرار، في عموم المنطقة، وخاصة في لبنان، ويعزز توحيد سوريا، ولعل الأهم من ذلك كله، أن هذا سيمنح فرصاً لبناء الثقة بين سوريا والغرب، ورفض النزاعات وحلها في الشرق الأوسط “.
ويبقى الاقتصاد عصب الحياة لأي دولة، خصوصاً للدول الخارجة من حروب وأزمات وعقوبات، كحال سوريا، لهذا يقول ساكس، “في الوقت نفسه، يحتاج الاقتصاد السوري بشدة إلى الاستثمار، وينبغي على الغرب الاستثمار في الصناعات التي من شأنها مساعدة سوريا على إعادة الإعمار، بما في ذلك صناعة الإسمنت والنقل والخدمات اللوجستية والتمويل، وينبغي على شركاء سوريا التطلع إلى دعم القطاعات التي تدعم الازدهار، مثل محطات الطاقة، والطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والبتروكيماويات، والتقنيات المتقدمة”.ويمكن لهذه الاستثمارات أن توفر فرصاً فريدة للشركات الأميركية، وتدعم الاقتصاد السوري، بحسب ساكس، الذي يؤكد أن قرار إدارة ترامب برفع العقوبات عن سوريا خطوة أولى جيدة، ولكن يقع على عاتق الغرب مسؤولية تشكيل هذا التعاون وترسيخ مصالحه مع دمشق.