الثورة – نيفين أحمد:
شهدت محافظة السويداء في السابع عشر من تموز 2025 واحدة من أكثر اللحظات قسوة في تاريخها الحديث عندما تعرّضت العشائر البدوية في ريف المحافظة لمجزرة وتهجير قسري تركا وراءهما جروحاً عميقة وذاكرة مثقلة بالآلام. لم تكن الحادثة مجرد فعل عنف عابر، بل جاءت كنتاج تراكمات معقّدة داخل المحافظة كشفت عن هشاشة النسيج الاجتماعي أمام محاولات الاستثمار في الانقسامات.
ما وراء المشهد
التحقيقات الأولية إلى جانب شهادات محلية حصلت عليها “الثورة” تكشف للمرة الأولى عن تفاصيل اجتماع سرّي عُقد في إحدى المزارع قبل أيام من الأحداث حضره المرجع الديني حكمت الهجري وعدد من قادة الفصائل المحلية. في هذا الاجتماع وُضعت خطة لطرد البدو بالقوة بعد انسحاب القوات النظامية من بعض المناطق وترك فراغ أمني ملحوظ.
هذه المعطيات تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول كيفية استغلال لحظة الفراغ الأمني لإشعال فتيل مواجهة كان ضحيتها مواطنون أبرياء دفعوا ثمن الانقسام.
التهجير القسري.. مأساة إنسانية
بعيداً عن خلفيات الصراع تظل الحقيقة الأكثر إيلاماً هي نزوح مئات العائلات البدوية من قراها في ظروف إنسانية قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة. شهادات الناجين تؤكد أن العائلات خرجت تحت تهديد السلاح تاركة وراءها منازلها وممتلكاتها وماضيها المرتبط بالأرض.
تصف إحدى السيدات الناجيات لحظات الرحيل قائلة: “لم يكن أمامنا سوى الخروج. كنا نخشى على أطفالنا أكثر من أي شيء آخر ولم نأخذ معنا سوى ما استطعنا حمله بأيدينا.”
شرخ في النسيج الأهلي
أحداث 17 تموز لم تُسقط ضحايا فحسب، بل أفرزت أيضاً انقساماً اجتماعياً خطيراً فقد فتحت المجزرة الباب أمام خطاب الكراهية وإعادة إنتاج الانقسامات الطائفية التي طالما حاولت المحافظة تجاوزها عبر التعايش.
المحللون يرون أن ما جرى يشكّل محاولة مكشوفة لـ تحويل الانتماء الطائفي إلى أداة صراع في وقت تحتاج فيه السويداء إلى مزيد من التضامن الداخلي لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
حماية المدنيين وكشف الحقائق
منذ الساعات الأولى للأحداث أكدت السلطات السورية أنها تتابع الوضع عن كثب حيث جرى تكليف الجهات المختصة بفتح تحقيق شامل لكشف ملابسات ما جرى وتحديد المسؤوليات. كما جرى الإعلان عن اتخاذ إجراءات عاجلة لتأمين العائلات المتضررة وتقديم المساعدات الإنسانية لها.
مسؤول حكومي صرّح لـ”الثورة” أن الدولة “لن تسمح بتحويل السويداء إلى ساحة لتصفية الحسابات أو الاستثمار في دماء الأبرياء” مؤكداً أن “حماية جميع المواطنين دون استثناء، تمثل أولوية لا يمكن التهاون بها”.
مجزرة 17 تموز لم تكن مجرد حدث دموي عابر بل محطة فارقة في تاريخ السويداء المعاصر أظهرت حجم التحديات المرتبطة بحماية التماسك الاجتماعي ومنع استغلال الانقسامات. وبينما يواصل الأهالي لملمة جراحهم تبقى مسؤولية الدولة والمجتمع معاً أن تتحول هذه المأساة إلى درس وطني يقطع الطريق أمام كل من يسعى لزرع الفتنة وتحويل التنوع إلى وقود للصراع.